الشعور بالتعاسة في الحياة أمرٌ لا مفر منه، ولا يمكنك التحكم فيه؛ ولكن يمكنك أن تتعلم كيف تتحكم بمشاعرك وأفكارك السلبية؟ وتوقف أي بؤس قد تسببه لنفسك، فالكثير من المعاناة التي تحدث يكون السبب في حدوثها طريقة تفكيرك وتصرفاتك وردود أفعالك تجاه ما يحدث لك.
كل ما يحدث لك من أحداث لا تقرر مستقبلك؛ ولكن أفكارك وردود أفعالك تجاهها وطريقة استجابتك لها هي من تشكل حياتك.
لذا يجب عليك أن تتعامل مع مثل هذه المواقف الكئيبة المحتملة بطرق واعية لكي تخرج منها بأقل نُدوب مُمكنة، وذلك من خلال التحكم في مشاعرك ورغباتك وردود أفعالك، واكتساب المعرفة الذاتية، وتعلم كيف تتقبل ذاتك، وتعمل وفق قيمك ومبادئك الشخصية.
بمجرد أن تتوقف عن خلق معاناتك الخاصة، وتفهم نفسك وتحدد أهدافك، وتدرك رسالتك في الحياة؛ سوف تعيش حياة سعيدة، حياة متناغمة مع قيمك ومبادئك وأهدافك.
كيف تنشأ تعاستنا الشخصية
تنشأ التعاسة عندما تأخذ كل فكرة تأتي لعقلك كحقيقة! الظروف القاسية، والألم الجسدي لا يسببان لك التعاسة بقدر أفكارك!
إذا كنا نفكر في أنفسنا بطريقة سلبية أو خاطئة، وكان تفكيرنا عن صورتنا الذاتية سلبي، وتقديرنا لذواتنا متدني، فلن نتمكن أبدًا من تجنب مشاعر البؤس والتخلص من الشعور بالتعاسة وعدم الرضا، وسنكون بكل تأكيد تُعساء.
سبب تعاستك هي أفكارك السلبية التي أخذتها على محمل الجد وتحولت لاحقًا إلى مشاعر.
عندما تُحيد مشاعرك أمام افكارك السلبية، ستجد أن تعاستك تتناقص، فالسعادة والبؤس والتعاسة صناعة داخلية وليست حظًا أو قدرًا مفروضًا على الشخص، وذلك لأن الإنسان كائن مركب من جزئين، جزء رباني متمثل في الروح، وجزء مادي يتمثل في الجسد، يتطلع الأول إلى العلو والسمو، ويحاول الثاني أن يشبع رغباته ومتطلباته.
من هذه الثنائية التركيبية يتولد الصراع، ومن هذه الهشاشة التكوينية تتولد الشقاوة والسعادة، وبما أن الإنسان يعيش في العالم الأرضي تكون الغلبة للجزء المادي الذي يصبو إلى الإشباع من الرغبات والأهواء الجسدية، والمتع الجنسية وحب التملك والتسلط.
إن سر تحقيق السعادة والسلام الداخلي هو معرفة وإدراك معنى حياتك والغرض من وجودك في الحياة، والنضوج على جميع المستويات الجسدية والعقلية والعاطفية والروحية وتحقيق التوازن بين كل هذه المستويات.
معنى حياتك يعتمد على رغباتك وأهدافك وأحلامك الشخصية، والغرض من وجودك يعتمد على تنمية روحك والسمو بها، واستشعار حفظ الخالق لك وكرمه عليك ورحمته بك.
أسباب الشعور بالشقاء والتعاسة والبؤس وطرق التخلص منها
السبب الرئيسي لتعاستك ليست تلك الأحداث التي تحدث في الخارج! بل تلك الأفكار التي تجول في ذهنك حول ما يحدث لك.
الخارج ليس عليه أي سلطة أو تحكم في الداخل، ولكن الداخل عليه كل السلطة والتحكم في الخارج.
تستطيع أن تحلل أحداث حياتك وتنظر إليها بطريقة سلبية فتدخل في معاناة، وتستطيع أن تحللها بطريقة جيدة وتنظر لها نظرة إيجابية فتشعر بالرضا.
بهذه الطريقة أنت تقوم بعمل برمجة صحية لعقلك الباطن الذي أثبت العلم مؤخرًا بأن نسبة كبيرة من مشاعرنا وأفكارنا وردود افعالنا وقراراتنا الحياتية تستند إلى الدوافع الناشئة عن هذا العالم الغريب.
حيث يؤثر عقلك الباطن على كل شيء في حياتك من الشريك الذي تختاره، إلى الوظائف التي تتولاها، والشخصية التي تتبناها وتحاول الظهور بها، والإدمان الذي تطوره، والتطلعات والأحلام التي تريد تحقيقها في الحياة. الشيء الأكثر جنونًا هو أننا غالبًا لا ندرك تأثير عقلنا الباطن علينا.
إن أغلب أسباب الشعور بالشقاء والتعاسة والبؤس ذاتية وتكون من الشخص نفسه لأن السعادة والشقاء صناعة داخلية ومن تلك الأسباب ما يلي:
1- التفكير السلبي واختراع الدراما الداخلية المؤلمة التي ليس لها أساس في الواقع.
التفاؤل وامتلاك خيال حي أمر رائع؛ لأن استخدام خيالك في التوقعات السلبية والتركيز على الجانب السلبي في كل ما يحدث لك يولد لديك العديد من المخاوف الوهمية والأفكار السلبية والمعتقدات الغير صحيحة، كل المعاناة والأفكار السلبية تنبع من المعتقدات والقناعات الذهنية التي تم اكتسابها مُسبقًا؛ والتي لا يتم فحصها والتأكد من صحتها، وعندما نركز على تلك الأفكار نعاني؛ ولكن تذكر بأنك لست بحاجة إلى تصديق تلك الأفكار التي تخطر في عقلك من وقت لآخر؛ لأن الأفكار عبارة عن تقلبات في الطاقة الداخلية لديك فكلما كانت طاقتك مرتفعة كلما كانت أفكارك أكثر تفاؤل وإيجابية والعكس صحيح.
لا يمكنك إيقاف أفكارك السلبية طوال الوقت، سوف يراودك الإحباط من وقت لآخر، وقد يستجيب عقلك لما يحدث لك بطريقة سلبية؛ هذا أمر طبيعي وجزء من الحياة التي نعيشها؛ لإنه وبمرور الوقت سوف يتحسن مزاجك وتفكيرك تدريجيًا لتصبح أقل سلبية وأكثر تفاؤل.
إن السبيل للتغلب على الأفكار والمشاعر السلبية هو أن تنمي الوعي الذاتي لديك وتنشئ مشاعر وأفكارًا مضادة، أكثر إيجابية، وتركز أكثر على مميزاتك ونقاط القوة لديك لتقاوم مفعول تلك الأفكار السلبية.
ركز على كل ما هو إيجابي ومحفز، استمع لأفكارك الإيجابية واجعلها تستبدل السلبي بالإيجابي، مهما كانت النتيجة، ومهما كان الموقف الذي أنت فيه، اجعل تركيزك منصبًا على ما تريد تحقيقه، ثم خذ خطوة إيجابية للأمام. لا يمكنك التحكم فيما يحدث لك، ولكنك قادر على أن تتحكم في طريقة تفاعلك معه.
2- التقدير المتدني للذات والحكم على نفسك بطريقة قاسية.
تقدير الذَّات هو التصور الذي يمتلكه الإنسان عن ذاته، والكيفية التي يتعامل بها مع نفسه، ومع الآخرين من حوله. إن القيمة الحقيقية لحياة الإنسان تكمن في تقديره لنفسه واحترامه لها، فمن لم يشعر بقيمة ذاته لن يشعر الآخرون به، ولن يهتموا لأمره.
التقدير المتدني للذات يولد لدى الشخص الشعور بالدونية وعدم الاستحقاق، وانعدام الثقة بالنفس، والخوف من المستقبل، ولكي يتخلص من ذلك يجب على الشخص بناء صورة ذاتية سليمة عن نفسه؛ وذلك من خلال اكتشافه لذاته والتقبل الكامل لها.
مرحلة اكتشاف الذات مرحلة صعبة ولكنها مهمة جدًا لأنك إذا لم تُحدد بوضوح هويتك، وتكتشف مواهبك، ومهاراتك، ونقاط القوة لديك؛ فلن تتمكن من تقدير ذاتك وبناء صورة ذهنية سليمة ودقيقة عنها.
لذا يجب عليك أن تعرف الأمور التي تميزك عن غيرك، والطريقة التي تؤثر بها على من هم حولك وكيفية تأثرك بهم، وإدراك مدى قدرتك على مواجهة التحديات والمصاعب، وكيف تتغير تصرفاتك وردود أفعالك بناءً على مشاعرك.
يجب عليك أن تتقبل ذاتك وتتبنى أسلوبًا مميزًا في التفكير، وذلك من خلال الفصل بين أفكارك، وأفكار الآخرين فيك.
لا تتأثر بآراء الناس المخالفين أو المؤيدين، اجعل طاقتك الداخلية حرة، لا تجعل مصدر طاقتك البشر مهما كانوا صديق، قريب، حبيب، زوج/ة، طاقة الآخرين متطرفة خاصة أولئك الذين يقدمون لك المدح والثناء؛
افرح، عيش حياتك، عبر عن مشاعرك؛ ولكن لا تؤسس بداخلك أيقونة فرح تزيد وتنقص بناءً عليها.
بعبارة أخرى لا تبني صورتك الذاتية بناءً على كلام الناس وآرائهم فيك.
إذا كنت تُريد الخروج من دائرة الألم والمعاناة، وتدخل دائرة السعادة والانطلاق والثقة اعزل كل التأثيرات الخارجية التي تُؤلمك وتُعكر مِزاجك، ثم حدد هدفك في الحياة، وابدأ بصناعة البيئة المناسبة لك (شاهد، اسمع، اقرأ) لما تُحب أن تراه في عالمك حتى يتجلى في واقعك.
من المستحيل أن تكون غير سعيد عندما يكون لديك هدف تسعى لتحقيقه.
عندما تفعل ما تحبه وترى تأثيره الإيجابي على من حولك، فأنك لن تفكر في نفسك، أو في الأشياء التي تجعلك حزينًا.
عندما تساهم في المجتمع بطريقة تجلب لك الشعور بالأهمية، والقيمة الذاتية فأنت تبرمج نفسك ضد التأثيرات الخارجية التي تسبب لك التعاسة والاكتئاب.
لا يمكنك معرفة وإدراك قيمتك الذاتية دون القيام بالعمل والإنجاز وبناء العلاقات والتفوق في الأشياء التي تحبها.
عندما تكون شؤونك منظمة، من الصعب أن تكون غير سعيد.
عندما تتمكن من إدارة ذاتك وترتيب شؤونك، ستفكر جيدًا في نفسك.
عندما تفكر جيدًا في نفسك، لا شيء يمكن أن يحبطك. على الأقل، لديك الخبرة والمهارة ونظام الدعم في المكان المناسب للتعافي في حالة تعثرك.
إن أسرع طريقة لبناء احترام الذات هي أن تحترم ذاتك وترقى بها وأن تكون تصرفاتك وردود أفعالك متوافقة مع قيمك ومبادئك، فيراك الناس شخص ناجح وقوي ويشعرون بأنك جدير بالثقة.
3- الإحباط والتشاؤم والاعتقاد بأن الأخطاء والنكسات والفشل تدمرك مدى الحياة.
بدلًا من أن تحبط نفسك بسبب أخطائك وإخفاقاتك، اتخذ القرار الواعي بالخروج منها، ركز على ما يجب عليك فعله للخروج مما أنت فيه، وتجنب تكراره في المستقبل. انظر إلى الفشل أو المشكلة التي تواجهها على أنها تحدي وليست مشكلة. سوف تساعدك هذه الطريقة على تطوير "عقلية النمو" لديك.
عندما يراودك الإحباط نتيجة لمرورك بتجربة فاشلة اترك كل شيء جانبًا لعدة أيام أو أشهر لكي يتجدد نشاطك وتعود بقوة أكبر؛ قم بممارسة الأشياء التي تشعرك بالسعادة والمتعة، ستجد بعدها زوال الشعور بالإحباط تدريجيًا يومًا بعد يوم.
4- التأنيب واللوم المستمر لنفسك على أشياء لا يمكنك التحكم فيها.
لا يمكنك تغيير كل الأشياء، لكن يمكنك تغيير بعضها ركز على ما تستطيع التحكم فيه فقط؛ إضاعة وقتك وجهدك وطاقتك على أشياء لا يمكنك التحكم في مصيرها هو وصفة للإحباط بكل تأكيد. لذا استثمر ما تملكه في أشياء يمكنك التحكم فيها.
تجنب إلقاء اللوم على نفسك بسبب مشكلة حدثت لك وكانت فوق طاقتك ولا يمكنك التحكم فيها؛ بدلًا من ذلك تقبل أن الموقف لم يكن تحت سيطرتك ولا يمكنك التحكم فيه.
إن إدراك أنك عاجز في موقف ما يمكن أن يكون مرعبًا أحيانًا، ولكن ذكّر نفسك أنه لا يمكنك التحكم إلا في سلوكك، لا يوجد شيء يمكننا القيام به حيال أجزاء كثيرة من حياتنا.
ولا يمكن السيطرة على القوى المتقلبة في الحياة، يجب أن تدرك بأن حياتنا تحكمها بشكل كبير الأحداث والاحتمالات العشوائية. بينما يمكننا القيام بأشياء لوضع المزيد من هذه الاحتمالات في صالحنا من خلال التركيز على ما يمكن التحكم فيه. هذا لا يعني أنه يجب عليك تجاهل كل شيء، ولكن عليك أن تدرك أن طاقتك محدودة. يتم تحديد جودة حياتك من خلال مدى الاستفادة من طاقتك في الأماكن التي يمكنك فيها إحداث فرق، لذا ركز على الإجراءات والأنشطة التي من شأنها تحسين حياتك.
5- إهمال الجانب الروحي لديك.
إن تحقيق النجاح والسعادة في الحياة يتم عندما يكون هناك توازن بين الجانب الروحي والمادي لحياة الشخص؛ وذلك من خلال تطبيق نظرية التوازن التي ستمكنك من معرفة الجانب المادي ونظيره الروحي، وتحقيق الاتزان لديك، لتصل إلى حالة من الاستقرار عن طريق الموازنة في تلبية حاجاتك الجسدية وحاجاتك الروحية.
فالجسد يُفضّل النزول إلى الأرض والاستمتاع بكل لذاتها؛ لأنه منها. والَروح تُريد أن تسمو وتعلو إلى خالقها، فكلٍ منهما غذاؤه من منبعه.
الجسد يحتاج إلى الأكل والشرب والنوم ليعيش، والروح تحتاج إلى ما نزل من السماء من ذكر وقرآن وإيمان لكي تعيش وتسمو.
الشعور بالجوع، والعطش، والتعب إشارات لحاجة الجسد، والشعور بالهّم والضيق، والملل دليل إلى حاجة الروح لممارسة الروحانية والطقوس الدينية من صلاة وذكر وتلاوة قرآن.
التوكل على الله وممارسة الروحانية تولد لدى الشخص الشعور بالأمان والثقة بالله والسعادة. لا يمكن أن تتواجد البهجة والسعادة والحب لدى شخص لم يتخلص من هيمنة العقل!
عندما تتمسك بأفكار عقلك فأنت تسير نحو التعاسة والمعاناة والألم! لأن أفكارك الواعية لا تعرف معنى السعادة!
السعادة مصدرها الروح؛ عندما تتصل بروحك أكثر من اتصالك بأفكارك سوف تجد حينها السلام الداخلي، والحُب، والبهجة، والسعادة، والأمان.
كذلك فإن تطبيق نظرية التوازن هذه سوف تُمكنك من تحقيق الاكتفاء الذاتي أيضًا، والاستغناء عن المساعدة الخارجية، والحفاظ على الراحة النفسية، واستغلال المواهب والمهارات وتطوير القدرات، واتخاذ القرارات بشكل مستقل، مع عدم الخوف من الشعور بالوحدة وعدم الحاجة إلى دعم خارجي من أحد.
وهذا يتحقق بالإيمان القوى بأن هناك ربًا معك في كل مكان يرعاك، ويحميك ويوفقك، ويبعد عنك كل شر ويقرب منك كل خير ويعفو عنك ويتوب عليك.
عندما تصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي سوف تتخلص من كل العلاقات والمشاعر السلبية، لأنك حينها ستكون مكتفِ ذاتيًا في وجود الشخص أو في غيابه، وهذا يعني بأنك لن تتصل به شعوريًا، إن حضر سيضيف إلى وقتك بهجة ومتعة وتشاركه الشعور، وإن غاب فأنت مكتفٍ ومكتمل بذاتك لا ينقص غيابه منك شيء.
الاكتفاء الذاتي لا يعني التكبر أو الغرور، ولا أن نبقى وحيدين دون أصدقاء أو أحباب؛ الاكتفاء الذاتي شعور داخلي يُعطيك الأمان، ويُشعرك بالاستقلالية بغض النظر عن العالم الخارجي.
6- التفكير بعقلية الضحية وإلقاء اللوم على الأشخاص والمواقف، أو قبول ما يمكنك تغييره بشكل سلبي.
التفكير بعقلية الضحية، وتوجيه أصابع الاتهام إلى الظروف أو الأشخاص عندما تحدث لك مشكلات أو لا يتحقق لك ما تريد، هو السبب الرئيسي للبؤس والتعاسة التي تعاني منها.
إن منبع هذا السلوك لدى العديد من الأشخاص الذين يفكرون بعقلية الضحية هو الشعور بقلة الحيلة وعدم القدرة على مواجهة المشاكل والبحث عن حلول لها، فيلجأون إلى الطريق الأسهل لتبرير تصرفاتهم وهي لوم الآخرين وتحميل أي طرف خارجي المسؤولية.
ومنهم من يستسلم ويتقبل الوضع على ما هو عليه، أو يستمر في مواجهة المشكلة بالطريقة نفسها، وكلما استمروا في هذا النهج ازدادوا ضُعفًا وتعاسة لأنهم لا يحاولون القيام بأي شيء، وقد يكون لديهم تأثير سلبي على من يعيش أو يتعامل معهم.
عادة ما يكون من الصعب جدًا على الضحية أن يرى أنه يعيش دور الضحية بدلًا من العيش بالذات الأصيلة، لأن هناك خزيًا مرتبطًا بجهودهم في التلاعب بالآخرين وتاريخ من الفشل. ولكن إذا تمكن من رؤيته بوضوح وسماع الرسائل التي يمنحه إياها، فيمكنه البدء في إدراك أن هذا القناع لم يكن حقيقيًا في المقام الأول، وأن هناك شخصًا قويًا وقادرًا بداخله ويمكن الاعتماد عليه.
هناك مواقف تقع ضمن دائرة التحكم الخاصة بك، جزئيًا على الأقل إن لم يكن بالكامل حيث يمكنك التحكم في رد فعلك الداخلي للأحداث. كيفية وقف البؤس؟ قم بتغيير طريقة تفكيرك من خلال التركيز على نفسك وأنك السبب في كل ما يحدث لك وتجنب لوم الآخرين.
7- مقارنة نفسك بالآخرين والسعي نحو تحقيق الكمال.
تعتبر المقارنة الاجتماعية أحد أبرز مصادر الشعور بالبؤس، والشقاء، والتعاسة التي لا تنتهي، لأنك ستجد دائمًا من هو افضل منك حالًا، وأوفر حظًا، وأكثر منك ثراء. ستجد من هو أفضل منك حتمًا، ولن تستطيع إرضاء ذاتك، وهذا بدوره يولد لديك شعورًا بـ الاكتئاب والحزن والتعاسة.
كما أن السعي نحو تحقيق الكمال والقيام بوضع قواعد في حياتك وتحديد أهداف لا تتناسب مع قدراتك وامكاناتك وربط تحقيقها بسعادتك سوف تضمن لك التعاسة دون أدنى شك؛ لأن الحياة دائمًا مليئة بالتحديات والعقبات الصعبة، ولكن بدلًا من مقارنة وضعك مع الآخرين، والسعي نحو تحقيق الكمال حاول أن تجعل حياتك جيدة قدر الإمكان. ابحث عن مسارك الخاص الذي يتناسب مع مواهبك ومهاراتك وقدراتك.
لا تتأثر بمن حولك ولا تدع نتائج المقارنة الاجتماعية تؤثر عليك مهما كانت سلبية أم إيجابية، كُن متحمسًا حول الصورة الذهنية لذاتك التي تطمح أن تكون عليها في المستقبل.
استغل الألم الناتج من المقارنة الاجتماعية كدافع نفسي وتحفيزي من أجل التغيير للأفضل، وذلك من خلال وضع أهداف حقيقية ذات مغزى تجعلك تعمل بكل ما لديك من قوة تجاه الأشياء والأهداف التي تبث فيك روح الحماس والمثابرة، وتشعرك بالامتنان والفخر بنفسك.
عدم رضاك عن ما أنت عليه الأن هو الخطوة الأولى نحو التغيير؛ لأن عدم الرضا يخلق طاقة كبيرة يُمكن تسخيرها لتحقيق فائدة أكبر في حياتك، وذلك إذا لم توجد هناك عوائق تحول دون القيام بذلك، وهذا يعني أنه ينبغي أن يكون لديك بعض القدرة على التحكم في مصيرك بدلًا من التأثر بالعوامل الخارجية، أو تقليد الآخرين من حولك، أو الاستسلام للواقع.
كما يجب أن تعرف وتدرك أسباب شعورك بالضعف، وتفهم طريقة تفكيرك، والكيفية التي يدرك عقلك بها الأشياء والمحيط من حولك، وذلك لكي تتمكن من توجيهه إلى الهدف الذي يشعرك بالقيمة والأهمية في الحياة.
كُن مُمتنًا لما أنت عليه وذلك من خلال المقارنة الاجتماعية؛ فبدلًا من مقارنة نفسك بمن هم أفضل منك حالًا، قم بإجراء مقارنة مع من هم أسوأ منك حالًا، مع أولئك الذين يعانون أكثر منك؛ ممارسة الامتنان واحدة من العادات الجيدة الأسهل والأكثر مكافأة.
ولكن عندما تكون المقارنات الاجتماعية مثبطة للعزيمة، ركز على أن تكون أفضل مما كنت عليه سابقًا، بمعنى قارن المكانة التي أنت عليها الأن مع ما كنت عليه في الماضي، حيث يمكنك أن تُشجع نفسك على التقدم. ولكن حتى تجعل هذه المقارنات ناجحة لا بد من أن تُحدد هدفك بوضوح وتعرف ماذا تريد.
لا يكفي أن تقول أريد أن أكون شخصًا أفضل من ما كنت عليه سابقًا؛ يجب عليك أن تُركز على الطريقة والكيفية التي تريد أن تكون بها أفضل، ثم اتخذ الإجراءات اللازمة التي من شأنها أن تقودك نحو التطور والنجاح.
8- تقمص شخصية غير شخصيتك ومحاولة إرضاء الناس من حولك.
السعي نحو تحقيق القبول الاجتماعي والتغلب على المعايير الاجتماعية ومحاولة إرضاء الناس من حولك، أو تقمص شخصية غير شخصيتك بهدف القبول الاجتماعي، أو لفت الأنظار أحد أسباب الفشل والشعور بالتعاسة.
إن أسوء ما يُمكن أن يَحدث لك ويتحكم في مسار حياتك، ويُضيع عليك الكثير من فرص النجاح هو خوفك من نظرة الآخرين لك، وتعليقاتهم السلبية بشأنك، وتحليل أفكارهم فيك، وتصرفاتهم معك بشكل دائم ومستمر.
قد تعيش عمرك كله في هذا الوهم، مُعتقِدًا بأن كل تصرفاتك مُراقبه من قبل الآخرين، وأن كل الناس مُنتبِه لكل ما تقوم به، ثم تكتشف في نهاية المطاف أنهم مشغولين بهمومهم، وبأنفسهم، وأنك لست في فِكرهم من الأساس، لذا عيش حياتك كما تُحب أن تعيشها أنت، ولا تلتفت لأحد.
يمكن للضغط الاجتماعي أن يؤثر عليك ويتحكم في تصرفاتك، ولكن اكتشف أفضل طريقة للتعبير عن هويتك في المجال الذي يتناسب مع مواهبك ومهاراتك.
ابحث عن كل ما تستمتع به حقًا ويجعلك تشعر بالرضا عن نفسك، قم بتنفيذ كل ما يبدو جيدًا لنموك الشخصي تدريجيًا ويجعلك فخورًا بنفسك.
لا تجعل واقعك يستمد توجيهاته من مخاوفك أو من كلام الناس عنك وآرائهم فيك.
كونك تعاني فواقعك لا يأخذ توجيهاته منك، بل من مخاوفك ومعتقداتك ومن الصورة الذهنية الخاطئة التي رسمتها عن نفسك.
إدارة مشاعرك بطريقة صحية هي عنصر رئيسي في بناء القوة العقلية لديك.
كلما زادت القوة التي تبنيها، أصبح من الأسهل عليك إدارة مشاعرك. وكلما عملت على التعامل مع العواطف بطريقة صحية، كلما أصبحت أقوى.
إذا تحكمت بشعورك وردود افعالك وتمكنت من اكتشاف ذاتك ستقود واقعك، بل ستعي بأن الحياة أكبر بكثير من مجرد خوف أو توتر، ستدرك بأن السلام الداخلي والسعادة تبدأ من اللحظة التي تقرر فيها عدم السماح لأي شيء مهما كان بأن يؤثر على مشاعرك أو يتحكم في تصرفاتك وردود أفعالك.
اجعل الخيارات أكثر انسجامًا مع "ذاتك الحقيقية". قل "لا" لكل التصرفات والعادات والأشخاص الذين يستنزفون طاقتك الداخلية ويدمرون ثقتك بنفسك.
تعلّم كيف تضع الحدود لنفسك ولمن حولك. إن لم يكن ما تفعله مقدّرًا من الطرف الآخر توقّف عن فعله، وإلاّ فإنّ هذا سيقودك الى حلقة مفرغة من الضّياع وعدم السّعادة.
عندما تقع في حيرة أو اضّطراب دع الدّفّة لسلامك الدّاخلي، واسأل نفسك هذه الأسئلة:
- ما هو التصرف النبيل وليس اللطيف الذي يمكنني فعله؟
- هل أنا فعلاّ أحاول أن أساعد من حولي، أم أهدف للحصول على القبول من محيطي الاجتماعي؟
- كيف ألبّي حاجاتهم بدون أن أهمل حاجاتي؟
- هل من المنطقيّ أن اضع كلّ رغباتي جانبًا من أجل علاقتي بهم؟
هذه الأسئلة سوف تساعدك على اتخاذ القرار المناسب في علاقاتك، لا تبحث عن المثالية وتسعى لتحقيق الكمال من أجل الحصول على القبول الاجتماعي، اجعل نفسك في موقع إعطاء أو حرمان الموافقة حسب رغبتك الشخصية بدون أي تأثير خارجي من أحد.
قد تشعر بالخوف أو الضعف أو عدم الأمان إن اتّبعت هذه الخطوات، ولكن صدّقني هذا ليس ضعفًا؛ وإنّما خروجٌ عن العادات والمألوف لديك، وهذا ما قد يُخيفك، أو يؤلمك قليلًا؛ ولكن بقليلٍ من الصّبر وبمرور الوقت سوف تشعر برضا تام عن ذاتك وعن ما أنت عليه، ستشعر بقوة داخلية عُظمى تكفيك عناء الاكتراث لما يَظُنه الآخرين فيك، وعالم من الارتياح والنّمو الذاتي.
9- فقدان الثقة بالنفس.
الشكوك الذاتية ونقد الذات والحديث السلبي عن النفس هي من تمنعك من الحصول على الدعم العاطفي الذي تحتاجه.
إن قبول نفسك بالكامل على الرغم من كل عيوبك، ونقاط ضعفك أمر بالغ الأهمية لتطوير مستوى عالي من الثقة بالنفس واحترام الذات.
كُن صادقًا مع نفسيك أصيل وحقيقي، تقبل ذاتك بكل إخلاص. اعتنق حقيقة أنك لن تسمح للقوى الخارجية بتشكيل حياتك والتحكم في قراراتك وردود أفعالك. بهذه الطريقة فقط سوف تترك أخيرًا كل ما كان يعوقك طوال هذه السنوات.
ابدأ في ممارسة القليل من حب الذات من خلال معاملة نفسك باللطف والتسامح.
الثقة بالنفس تأتي من حب الذات، وهذا الحب يأتي من التقبل الكامل للذات الذي ينبع من فهم الذات واكتشافها وسبر أغوارها.
قد يكون لديك بعض العيوب والكثير من القيود ونقاط الضعف؛ ولكن نحن جميعًا لدينا الكثير من تلك العيوب ونقاط الضعف، فنحن بشر وهذا جزء من كونك إنسان.
إحدى الطرق البسيطة لبدء ممارسة حب الذات هي الدخول في عادة التحدث مع نفسك بطريقة إيجابية والشعور بالتقدير والتميز والامتنان، والقدرة والجدارة.
التحدث مع نفسك بطريقة إيجابية والتركيز على نقاط القوة لديك سوف يساعدك على النظر إلى الجمال المخفي بداخلك، والعمل على تطوير مواهبك ومهاراتك ونقاط القوة لديك ويزيد من ثقتك بنفسك.
لا يوجد شخص واثق من نفسه ولكن يوجد شخص متقبلًا لذاته راضيًا عن نفسه وعن ما يملكه، وعن ما هو عليه.
التصالح مع الذات والتقبل العميق للنفس يثمر الثقة بالنفس؛ عندما تتقبل ذاتك فإنت لم تعد تبحث في الظروف الخارجية أو الأشخاص للحصول على الموافقة أو الاعتراف. أنت بدلًا من ذلك سوف تبحث عن تلك الموافقة داخل نفسك. وهذه واحدة من أكبر الخطوات التي يمكنك اتخاذها لبناء ثقتك بنفسك وتقديرك لذاتك.
ولكن كيف تعرف أنك تتقبل ذاتك تقبلًا حقيقيًا؟
لمعرفة ذلك راقب نفسك في حالات ضعفك، أو عندما يقلل الآخرين من احترامك، أو تُساء معاملتك أو يتنكر المقربين لك، هل تنهار؟
إذا انهرت من الداخل فهذا يدل على تقبل مزيف لذاتك؛ لأن طاقتك الداخلية وسعادتك مرتبطة بالآخرين غير حرة؛ حيث تزيد وتنقص حسب الطريقة التي يعاملك بها الآخرين من حولك.
أما لو كنت في لحظات ضعفك قريب من نفسك، تحتويها وتشعر بتوكيد داخلي قوي غير مبالي بالآخرين ولا بطريقة تصرفاتهم معك، فأنت بذلك تتقبل ذاتك تقبلًا كاملًا وحقيقيًا.
التقبل الكامل للذات والرضا الداخلي عن النفس صمام أمان يؤمن لك عزل قوي جدًا عن ما لدى الآخرين، وحتى عن نظرتهم تجاهك.