العادات السيئة
التخلص من العادات السلبية |
حياتك هي في الأساس عبارة عن مجموعة من الأفكار، والمعتقدات، والسلوكيات الروتينية التي تحولت إلى عادات، فالصورة الذهنية التي شكلتها عن نفسك، ومدى سعادتك، أو نجاحك أو عدم نجاحك؛ ما هي إلا نتائج لـ عاداتك اليومية.
إن ما تقوم به بشكل يومي، وما تقضي الوقت في التفكير فيه والقيام به يشكل في النهاية الشخصية التي أنت عليها، والأشياء التي تؤمن بها.
حياتنا عبارة عن خلاصة لأفكارنا وسلوكياتنا التي نقوم بها بشكل متكرر، ولكن قد يكون لدينا سلوكيات سلبية وعادات سيئة تؤثر بشكل سلبي على مسار حياتنا ومدى نجاحنا في الحياة ؛ فهل يمكن تغيير السلوكيات السلبية والتخلص من العادات السيئة واكتساب سلوكيات جديدة؟
في هذا المقال سنتحدث عن العادة ماهي؟ وكيف تتشكل؟ وعن كيفية التخلص من العادات السلبية والسيئة واكتساب عادات جديدة تساعدنا على تحقيق النجاح في الحياة؟
تعريف العادات السلبية
العادة بشكل عام هي الروتين اليومي الذي نقوم به، أو السلوك المتكرر الذي اعتدنا على ممارسته بطريقة تلقائية.
بعبارة أُخرى فإن العادة هي سلوك متكرر يبدأ دومًا كآلية تكيف بغرض الحَد من التوتر، والوصول إلى حالة النشوة المِزاجية، والاسترخاء، ثُم الشعور بالراحة.
كيف تتكون العادات على المستوى الفسيولوجي؟
تتشكل العادات على المستوى الفسيولوجي على شكل وصلات أو مسارات عصبية مخزنة في جزء من الدماغ تسمى العقد القاعدية ، والذي له علاقة بتطور العواطف، والتعرف على الأنماط، والذكريات.
ومع ذلك، فإن القرارات تأتي من جزء قشرة الفص الجبهي من الدماغ.
بمجرد أن يصبح السلوك عادة، يتوقف جزء صنع القرار في الدماغ عن معالجة البيانات الجديدة. (1)
لذلك عندما تكرر سلوكًا معينا عدة مرات، يبدأ العقل في تشكيل تلك المسارات العصبية التي تربط العناصر الأربعة التي تكوّن العادة وهي (الإشارة والرغبة والاستجابة والمكافأة) معًا. وكلما كررنا الفعل، قويت تلك الرابطة إلى أن تكوّن في النهاية "ممرات عصبية".
بالتالي يصبح لدينا موصلات كثيفة تجبرنا على التصرف بطريقة معينة إلى أن تصير بمرور الوقت عادة أوتوماتيكية يصعب التخلص منها.
الممرات العصبية مصممة لحفظ بقاءنا، فالعقل الباطن يفسر السلوكيات المتكررة على أنها سلوكيات مفيدة وآمنة وبدلًا من الاضطرار إلى التفكير باستمرار فيما يجب القيام به، يطلق العقل الباطن هذه المسارات العصبية تلقائيًا، في كل مرة تظهر فيها الإشارات التي تدل على وجود متعة.
حيث يقوم العقل الباطن بتحليل البيئة الداخلية والخارجية للشخص للحصول على تلميحات عن مكان وجود المتعة والمكافأة؛ لأن ما يحركه هي المشاعر و الأحاسيس والشعور بالألم والمتعة، فالعقل الباطن يولد قوة دافعة للابتعاد عن كل ما يسبب له الألم حتى ولو كان نافعًا وينجذب ويبحث عن كل ما يسبب المتعة حتى ولو كان ضارًا؛ فالمسالة هنا تنحصر في الروابط التي تقترن بسلوكياتنا.
في كل مرة تتصرف فيها بنفس الطريقة، يتم تحفيز نمط عصبي معين وتقويته في دماغك بالتالي تصبح عادة مخزنة في العقل الباطن.
حيث تتكون العادات من أربع مكونات رئيسية يقوم العقل الباطن فيها ببناء وصلات عصبية واكتساب عادات جديدة وهذه المكونات هي:
1- الإشارة.
الإشارة هي عبارة عن مجموعة من المعلومات التي تُمكن العقل من التنبؤ بوجود مكافأة أو الحصول على متعة ممكنة من خلال ممارسة شيء ما، حيث تحفز هذه الإشارة العقل على بدء السلوك.
كما تعمل هذه الإشارات أيضًا على تحسين فرصنا في البقاء والتكاثر بشكل غير مباشر، وهذا هو الدافع الأعمق وراء كل ما نقوم به.
هناك إشارات تشير إلى موقع المكافآت الأساسية مثل الطعام والماء والجنس. وهناك إشارات تتنبأ بالمكافآت الثانوية مثل المال والشهرة، والقوة والمكانة، والحب والصداقة.
ونظرًا لأن الإشارة هي أول مؤشر على اقترابنا من المكافأة، فإنها تؤدي بطبيعة الحال إلى المرحلة الثانية من مراحل تكوين العادة وهي الرغبة الشديدة.
2- الرغبة الشديدة.
الرغبة الشديدة هي القوة الدافعة وراء كل عادة. دون مستوى معين من التحفيز أو الرغبة لن يكون هناك سبب للتصرف. ما تتوق إليه ليس العادة بحد ذاتها ولكن التغيير في الحالة التي تحدثه تلك العادة. أنت لا تتوق إلى التدخين، ولكنك تتوق إلى الشعور بالراحة التي يوفرها التدخين. أنت لا تريد تشغيل التلفاز، لأنك تريد أن يكون المكان هادئًا. كل رغبة مرتبطة برغبة في تغيير حالتك الداخلية.
3- الاستجابة.
الاستجابة هي تنفيذ العادة الفعلية التي تمارسها، والتي يمكن أن تتخذ شكل فكرة أو فعل. يعتمد حدوث الاستجابة على مدى تحفيزك ومدى الاحتكاك المرتبط بالسلوك. إذا تطلب إجراء معين جهدًا بدنيًا أو عقليًا أكثر مما ترغب في إنفاقه، فلن تفعل ذلك.
تعتمد استجابتك أيضًا على قدراتك. يبدو الأمر بسيطًا، ولكن لا يمكن أن تحدث العادة إلا إذا كنت قادرًا على القيام بها.
4- المكافآت.
المكافئة هي الهدف النهائي لكل عادة. والهدف هو الرغبة في الحصول على المتعة وتغيير الحالة الداخلية. نحن نطارد المكافآت لأنها تخدم غرضين:
- الغرض الأول من المكافآت هو إرضاء رغباتك. تمنح المكافآت مزايا خاصة بها. فالغذاء والماء يوفران الطاقة التي يحتاجها جسمك للبقاء على قيد الحياة. والحصول على ترقية في وظيفتك يجلب لك المزيد من المال والاحترام. كذلك الحصول على اللياقة البدنية يحسن صحتك. لكن الفائدة الأكثر إلحاحًا هي أن المكافآت تشبع رغبتك في تناول الطعام أو الحصول على مكانة أو الحصول على الموافقة. على الأقل للحظة، تمنح المكافآت الرضا والراحة من الرغبة الشديدة.
- ثانيًا، المكافآت تعلمنا أي الأفعال تستحق أن نتذكرها في المستقبل. عقلك هو كاشف المكافأة. بينما تمضي في حياتك، يراقب جهازك العصبي الحسي باستمرار الإجراءات التي ترضي رغباتك وتوفر لك المتعة. إن الشعور بالسعادة وخيبة الأمل جزء من آلية المشاعر الناتجة التي تساعد عقلك على التمييز بين الأفعال المفيدة والعديمة الفائدة. تغلق المكافآت حلقة المشاعر وتستكمل دورة العادة.
طرق التخلص من العادات السيئة.
قد يكون كسر العادات القديمة وتشكيل عادات جديدة أمر صعب للغاية لأن سلوكنا متأصل في مساراتنا العصبية الموجودة في الدماغ؛ ولكن الأمر ليس مستحيلًا، فمن خلال الانضباط الذاتي وتكرار السلوكيات الايجابية يمكن بناء عادات جديدة.
قبل أن تبدأ في التخلص من عاداتك السيئة يجب أن تُدرك أسبابها؛ إن التعرف على أسباب عاداتك السيئة أمر بالغ الأهمية للتغلب عليها. لذا فإن معظم عاداتك السيئة ناتجة عن شيئين هما التوتر والملل.
في بعض الأحيان يكون التوتر أو الملل ناتجًا بالفعل عن مشكلات أعمق. وقد يكون من الصعب التفكير في حل هذه المشكلات، ولكن إذا كنت جادًا في إجراء التغييرات اللازمة فعليك أن تكون صادقًا مع نفسك.
إليك بعض الأفكار الإضافية لكسر عاداتك السيئة والتفكير بطريقة جديدة. (2)
1- تخلص من كل المحفزات والأشياء التي تذكرك بالعادة السيئة.
التخلص من المحفزات يسهل عليك التخلص من العادات السيئة عن طريق تجنب الأشياء التي تسببها.
عندما تتخلص من الإشارات والمحفزات لن تبدأ عادتك أبدًا. قلل من الرغبة الشديدة ولن تواجه حافزًا كافيًا للتصرف. اجعل السلوك صعبًا ولن تكون قادرًا على فعله. وإذا فشلت المكافأة في إرضاء رغبتك، فلن يكون لديك سبب لفعلها مرة أخرى.
دون وجود إشارة ورغبة واستجابة، لن يحدث السلوك. وبدون الشعور بالمتعة والمكافأة، لن يتكرر السلوك السيئ أبدًا.
2- اختر بديلًا عن عادتك السيئة.
تحتاج إلى استبدال عادة سيئة بعادة جديدة توفر نفس المتعة أو الشعور المماثل.
على سبيل المثال، إذا كنت تدخن عند الشعور بالتوتر أو القلق فمن الجيد "التوقف عن التدخين" بدلًا من ذلك، يجب أن تبتكر طريقة مختلفة للتعامل مع التوتر وإدخال سلوك جديد بدلًا من ممارسة التدخين.
يجب عليك أن تحدد المواقف التي تدفعك وتثيرك لأداء عادتك السيئة، ومن ثم حدد السلوكيات التي تريد وتستطيع أداءها بدلًا من تلك العادات السيئة؛ وذلك حتى تتمكن من التخلص منها ويكون لديك تحكم تلقائي في سلوكياتك.
التخلص من العادات السيئة دون استبدالها صعب جدًا؛ لأن لديك احتياجات معينة لن تتم تلبيتها وسيكون من الصعب الالتزام بروتين التوقف عن ممارسة العادة السيئة لفترة طويلة جدًا.
لذا يجب أن يكون لديك خطة مسبقة لكيفية استجابتك عندما تواجه الضغط أو الملل الذي يدفعك إلى ممارسة عادتك السيئة، اشغل نفسك بأي شيء آخر يلبي شغفك ويجلب لك الشعور بالمتعة. مهما كانت وأيا كان ما تتعامل معه يجب أن يكون لديك خطة لما ستفعله بدلًا من عادتك السيئة.
3- تخيل نفسك تنجح في بناء هوية جديدة لذاتك.
يعتبر التخيل أحد الطرق القوية التي تؤثر بل وتساعد على إعادة برمجة العقل الباطن. مهما كانت العادة السيئة، تخيل نفسك كيف سيكون شعورك بعد التخلص من عادتك السيئة. انظر إلى نفسك وكأنك تبني هوية جديدة.
4- قم بتغيير بيئتك لتتمكن من تغيير سلوكك.
قم بتغيير البيئة والروتين اليومي والتعرض لمواقف جديدة يجعلنا أكثر إدراكًا لسلوكنا واختياراتنا، مما قد يساعدنا على تغييرها، لذلك فإن تغيير البيئة وإحداث تغيير في الروتين اليومي، قد يساعد على إحداث تغييرات أخرى
يجب أن تجعل ممارسة عادتك السيئة في مكان تواجدك أمر صعب جدًا وذلك من خلال التخلص من الوسائل التي تستخدمها في عادتك السيئة، وكذلك اجعل ممارسة عاداتك الجيدة التي تريد اكتسابها أمر سهل.
كما يجب عليك أن تختلط أكثر بأشخاص يعيشون بالطريقة التي تريدها. لست بحاجة للتخلي عن أصدقائك القدامى، لكن لا تقلل من أهمية العثور على أصدقاء جدد لديهم عادات جيدة ترغب في اكتسابها.
5- لا تتوقف فجأة عن ممارسة عادتك السيئة.
لكي تتمكن من تغيير عادتك السيئة ابدأ في تقليل ممارستها تدريجيًا إلى أن تختفي تمامًا.
سر النجاح يكمن في عدم التوقف فجأة عن ممارسة العادة، وذلك من خلال تقليل عدد مرات القيام بها يوميا وينطبق ذلك على شرب القهوة، أو التدخين، أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، أو إنقاص الوزن. فالاستراتيجية التي ينصح بها تقرير "هاورد راكلين" الباحث في علوم السلوك الإنساني تتمثل في أن بذل جهد في التحكم في رغبات الإنسان يؤدي إلى تغيير العادات دون وعي الإنسان بذلك.
6- نمي وعيك واعمل على تقوية انضباطك الذاتي.
زيادة الوعي وإدراك سبب العادة السيئة والتفكير فيها بعمق يساعد بشكل كبير على إجراء تغيير حقيقي وناجح.
إن مجرد معرفة الأوقات التي تمارس فيها العادة السيئة والبيئة التي تكون فيها والأشخاص الذي تكون برفقتهم وادراك المحفزات التي تثير فيك الرغبة في ممارستها سيجعلك أكثر وعيًا بالسلوك ويمنحك عشرات الأفكار لإيقافه.
يجب أن يكون هدفك في البداية هو أن تكون على دراية بوقت حدوث العادة وعدد مرات حدوثها، وليس الحكم على نفسك بطريقة قاسية، أو الشعور بالذنب تجاهها.
فكر بعمق من خلال إدراك سبب العادة وما هي المتعة التي تحققها. بعد ذلك، يمكنك البدء في تنفيذ الأفكار الواردة في هذه المقالة والتخلص من عادتك السيئة.
- اقرأ أيضاً: ما هي مكونات نمط الحياة الصحي
_______________- المصادر والمراجع:
- (1) happinessmatters
- (2) كتاب العادات الذرية لـ جيمس كلير