عقلية الضحية |
لا يوجد شيء أسوأ من أن يلعب الشخص دور الضحية في حياته، ويستخدم ذلك كذريعة يقنع بها نفسه ومن هم حوله، وذلك من أجل جذب اهتمامهم وتعاطفهم، أو الحصول على احتياجاته الشخصية منهم، أو بهدف تبرير فشله في الحياة، فيرتفع بذلك منسوب الإحباط ليدمر كل ما تبقى لديه من تفاؤل وأمل.
في هذا المقال سنتحدث عن سيكولوجية دور الضحية، وعن العقلية التي يفكر بها من يمثل دور الضحية.
عقلية الضحية (لعب دور الضحية)
عقلية الضحية عبارة عن مصطلح نفسي يشير إلى عقلية تعمل على الشعور بالاضطهاد من أجل جذب الانتباه، أو تجنب المسؤولية الذاتية.
وهي سمة شخصية مكتسبة يميل الشخص فيها إلى الاعتقاد بأنه ضحية لأفعال الآخرين السلبية، وينتج عن هذا الاعتقاد لوم الآخرين وتوجيه أصابع الاتهام لهم، ومحاولة جذب الانتباه والشفقة المستمرة التي يغذيها التشاؤم والخوف والغضب.
وتتّسم هذه العقلية بانعدام الثقة، والعناد، ورفض الاقتراحات والنقد البناء، وهي في المقابل تمارس انتقادًا دائمًا للآخرين، وتركز دائمًا على الجوانب السلبية لديهم، وتبيت النوايا السيئة تجاههم؛ مما يجعل الشخص صاحب هذه العقلية في موقف دفاع دائم، يرافقه كيل الاتهامات لمن حوله، ولا يمكن أن يتصف بالتسامح في ظل الأحقاد التي يحتفظ بها تجاههم.
- التفكير بعقلية الضحية.
أشارت الدراسات النفسية التي قام بها الأخصائيين النفسيين إلى أن هناك مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين يلجأون إلى لعب دور الضحية في كل المواقف التي يتعرضون لها، حيث يعتقدون في قرارة أنفسهم بأنهم ضحية للظروف والواقع المحيط بهم، مما يقودهم إلى التفكير بعقلية الضحية والاستسلام للواقع؛ وذلك لاعتقادهم بأنهم يفتقرون إلى القوة اللازمة لتغيير أوضاعهم والحالة التي هم عليها.
إن الخوف وفقدان الأمان وانخفاض تقدير الذات وانعدام الثقة بالنفس عوامل حاسمة في تشكيل عقلية الضحية حيث تعتمد هذه العقلية على ثلاثة معتقدات رئيسية وهي:
- الاعتقاد بأن الأشياء السيئة التي تحدث سوف تستمر في الحدوث مستقبلًا.
- الاعتقاد بأن الأشخاص أو الظروف الأخرى هي المسؤولة عن الحالة التي يعيشونها.
- الاعتقاد بعدم القدرة على التغيير وفقدان الأمل في أي جهود لإحداث التغيير.
- علامات التفكير بعقلية الضحية.
إن التوجس والريبة والشكّ هى الأدوات الأبرز في عقلية الضحية وهذا ما يجعل عدم الثقة السمة الأبرز في علاقاته مع من هم حوله، ونظرًا لما تنطوي عليه هذه العقلية، فإن هناك مجموعة من الصفات أو السلوكيات التي تدل على التفكير بعقلية الضحية منها:
- الشعور بالشقاء والتعاسة واللوم المستمر للأشخاص والظروف.
- الشعور بالعجز وعدم القدرة على التغيير.
- تهويل الأمور والمشاكل التي تحدث والشعور بالعجز وعدم القدرة على التعامل بشكل فعال مع المشاكل.
- الشك والريبة والاعتقاد بأن الآخرين يحاولون إيذائك عن قصد.
- العيش في الماضي واسترجاع الذكريات المؤلمة التي تجعلك تشعر بأنك ضحية.
- التذمر والشكوى حتى عندما تسير الأمور على ما يرام.
- عدم الشعور بالمسؤولية تجاه ما يحدث لك.
- الشعور بالمتعة والأمان عندما تلفت أنظار الناس لك وتعاطفهم معك.
- النظرة الدونية للذات وفقدان الثقة بالنفس.
- أسباب التفكير بعقلية الضحية.
الضحية هو الشخص الذي يعتقد أن شيئًا ما أو شخصًا ما يتحكم في حياته خارجيًا؛ حيث يرى الضحايا أنفسهم عاجزين عن تغيير أوضاعهم، ويعتقدون أن العوامل الخارجية تتحكم في حياتهم، ويعتبرون الحياة كجدار من الظروف التي لا يمكن التغلب عليها أو التحكم فيها.
تعتبر عملية التفكير بعقلية الضحية سمة شخصية مكتسبة، حيث ينشأ هذا التفكير نتيجة لعدة أسباب أو آليات تكييف مختلفة منها:
- التعرض للصدمات النفسية والتجارب المؤلمة.
ينشأ التفكير بعقلية الضحية من خلال آليات التكييف مع تجارب الماضي المؤلمة التي حدثت في مرحلة الطفولة أو المراهقة، وذلك من خلال الاعتداءات الجسدية أو الجنسية أو الفشل العاطفي.
فالشخص الذي تعرض للظلم، أو مر في صدمات عاطفية، أو حالات انفصال بسبب الخلافات، أو الخذلان والتخلي يتولد لديه ضعف الثقة بالنفس وفقدان الثقة بمن حوله، فيلجأ إلى الاستسلام والتفكير بعقلية الضحية الذي يجعله يُعطل كل إمكانياته ويتخلى عن كل مهاراته ومواهبه وأحلامه ويتوقف عن مواصلة الكفاح ويرضى بالواقع.
ولكن ليس كل من يتعرض للصدمات النفسية والتجارب المؤلمة يتبنون عقلية الضحية، لأن ردود الفعل وطرق التعامل تختلف من شخص لآخر.
- الخوف من تحمل المسؤولية.
عندما لا يرغب المراهق في تحمل المسؤولية، فمن المحتمل جدًا أن يقدم نفسه كضحية، وذلك لاعتقاده بأنه إذا كنت ضحية لشيء ما، فإن القواعد لا تنطبق عليك؛ بمعنى إذا كنت ضحية، فأنت لست مسؤولًا عن نتائج أفعالك.
كذلك فإن بعض المراهقين يستخدمون تفكير الضحية كوسيلة لتجنب تحمل المسؤولية عن الأشياء التي قاموا بها، أو الأشياء التي لا يريدون القيام بها بسبب الشعور بقلة الحيلة والعجز عن تحقيق ما يريد حيث يعتقد بأن الطريق الأسهل لتبرير فشله هو لوم الآخرين وتحميل أي طرف خارجي المسؤولية، وقد ينجح في إقناع نفسه بذلك، ويقنع كل من حوله ،وبحسب علم النفس فإنّ عقلية الضحية هي سمة شخصية مكتسبة، واستراتيجية دفاعية تدفع الشخص إلى لعب دور الضحية لتبرير فشله في الحياة.
- الاعتماد على الغير.
غالبًا ما ينشأ التفكير بعقلية الضحية من خلال آليات التكييف مع تلبية الآخرين لكل احتياجات ورغبات الشخص الذاتية وتأمين مصالحه، نتيجة لذلك قد يشعر الفرد بالإحباط والغضب المستمرين بسبب عدم تلبية رغباته، أو احتياجاته، رغم أن سلوكه يلعب دورًا في هذا، الأمر الذي قد يساهم في تبنيه لاحقًا لـ عقلية الضحية.
- كيفية التخلص من التفكير بعقلية الضحية.
مهما كان السبب الذي دفعك إلى تمثيل دور الضحية، ومهما كان الألم الذي زرع فيك الشعور بالمظلومية، إعلم بأن ذلك أمرٌ ليس في صالحك، وسيدمر مستقبلك ويجعلك تشعر بالضعف والدونية، والشيء المدمر أكثر هو أن تتخذ ما وقع عليك من ظلم كعذر تقنع به نفسك ومن حولك وتبرر من خلاله فشلك في الحياة، و استسلامك للواقع.
يجب عليك أن تكون قويًا جسديًا وروحيًا مهما حصل لك في الحياة من أحداث مؤلمة أو خيانات أو خُذلان، إياك أن تتمثل دور الضحية، وتعيش بعقلية المظلوم.
إياك أن تسمح لأحزانك بأن تقودك إلى الانغلاق الفكري، و العزلة والانطواء، وتختبئ خلف ذكرياتك المؤلمة وتعيش تفاصيل مآسيك وتدمر كيانك النفسي بتلك المشاعر والأفكار السلبية، لا شيء يستحق أن تتألم أو تحزن من أجله، فالحياة أكبر وأوسع مما تظن وتعتقد.
إذا كنت تقرأ هذه المقالة وتعتقد بأنك تفكر بعقلية الضحية، إليك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك على التخلص منها:
1 - لا تتمثل دور الضحية وتجعل من حياتك قصة درامية حزينة.
لا تجعل من حياتك قصة درامية وتحمل نفسك ما لا تطيق، لا أحد يكترث لما يحدث لك في الحياة، الجميع يكتفي بالنظر من بعيد ولا يحرك ساكنًا، لكي تنجح في هذه الحياة يجب عليك أن تصنع مجدك بنفسك، لا تعول على أحد ولا تنتظر شيئًا من أحد.
2 - تخلص من أفكارك السلبية.
التفكير بعقلية الضحية ليس شيئًا تختاره بنفسك، لقد تم اكتسابه وتطوره كنتيجة لتكييف الطفولة والصدمات النفسية التي تعرضت لها في الماضي.
الأفكار والمعتقدات والقناعات الذهنية هي مركب هوية الضحية الخاص، وإذا كنت تكافح من أجل تجاوز دور الضحية يجب أن تتأكد من صحة معتقداتك وقناعاتك وتبني صورة ذاتية سليمة عن ذاتك.
تصالح مع نفسك وتقبل ذاتك؛ ابتعد عن الأفكار المؤلمة وتكرار عبارات الاشتياق، وأوصاف التأنيب والندم، والحنين إلى الماضي لأنها تدمّر كيانك النفسي وتضعف استحقاقك في الحياة، وتجعلك تعيش في انسلاخ داخلي وحرب نفسية باردة مع ذاتك، ابتعد عن كل الأفكار السلبية والشكوك الذاتية التي تدمر ثقتك بنفسك.
توقف عن النقد الذاتي وتكرار عبارات جلد الذات، والاستماع للموسيقى والأغاني الحزينة لأنها تنمي فيك شعور الضحية ،وتدمر صحتك النفسية.
3 - انظر للجانب الإيجابي في كل ما يحدث لك وكن ممتنًا لكل ما لديك.
ركز على نقاط القوة لديك لكي تتمكن من التغلب على مخاوفك وتتمكن من تغيير الصورة الذهنية التي ترى بها نفسك.
كل المعاناة تنبع من تلك المعتقدات التي تم اكتسابها في الماضي ولم تتأكد من صحتها. عندما تخطر على بالك تلك الأفكار السلبية والمعتقدات الخاطئة تعاني بسبب نقص الوعي الذاتي لديك. يجب أن تدرك بأنك لست بحاجة إلى تصديق الأفكار السلبية التي تدور في عقلك من وقت لآخر؛ الأفكار ببساطة عبارة عن تقلبات في الطاقة الداخلية لديك والتي تعطيها معنى. قم بممارسة التأمل وستدرك بأن الأفكار عابرة وتتغير حسب الطاقة الداخلية لديك.
تدرب على أن تكون ممتناً، الامتنان طريقة بسيطة لكنها قوية لتذكير نفسك بأن الحياة ليست بائسة كما تتصورها. تذكر دائمًا تلك الأشياء التي أنت ممتنا لها، حاول أن تشعر بالامتنان الخالص لامتلاكك إياها.
4 - لا ترد بالمثل لكل من أساء إليك.
لا تجعل سلبية الآخرين أو طباعهم السيئة تدفعك لأن تخفي إيجابيتك وطيبتك وتظهر بدلًا منها العدوانية والجانب المظلم منك.
لا تبادل الكراهية بالكراهية والتجاوزات بالتجاوزات، كن أفضل منهم وبادلهم بالسيئات إحسانا وغفرانا.
تعلم كيف تتجاهل العادات والطباع السيئة عند الناس تعلم الابتعاد عن الأشرار منهم، وعِش حياة راضية سعيدة، كن مفتاحًا للخير والإيجابية والتشجيع ونشر التفاؤل والطيبة والمحبة.
5 - تقبل ذاتك وما أنت عليه.
سر النجاح في الحياة هو حب الذات والتقبل الكامل لها لذا مهما كانت الحياة التي أنت عليها اليوم، ومهما كانت المكانة الاجتماعية التي وصلت إليها، ومهما كان معدلك وتخصصك وطبيعة دراستك أو عملك، أفخر بكل مرحلة وصلت إليها بجهدك.
لا تندم علي ما مضي من عمرك، لأن الحاضر مازال بين يديك، وأنت قادر على إدارة حياتك.
6 - لا تقارن نفسك بأحد.
لا تقلل من إنجازك ولا تقارن نفسك بغيرك، واعلم بأن لديك حياة وظروف وفكر وشخصية مختلفة. نصيب وقدر خاص بك لا يشبه غيرك.
اجعل قيمك الشخصية ومبادئك هي من توجهك نحو الجهة التي تريد الذهاب إليها والهدف الذي تريد تحقيقه.
7 - اجعل كل ما يؤلمك سببًا ومحفزًا لك للنجاح.
تجاهل ما يحبطك من أفكار أو مشاعر أو أشخاص، واجعل الألم الناتج عن ذلك الإحباط دافعاً لك ومحفزًا لكي تنجز أكثر وأكثر، إثبت لهم بأنك أهلًا للنجاح والتفوق، دعهم يكتشفون مع مرور الأيام أنهم كانوا على خطأ عندما كانوا يعتقدون بأن كلماتهم السامة تلك تستطيع أن تحطمك و تثنيك عن تحقيق أحلامك وأهدافك وبلوغ غايتك، ركز على أهدافك فقط، يومًا ما ستصل إلي ما تريد.
8 - إنسى الماضي بكل ما فيه.
للتغلب على عقلية الضحية، يجب أن تخفف مشاعر الألم لكل تجاربك السابقة المدفونة بعمق في كيانك الداخلي. أنت بحاجة إلى التحرر والإفراج عن المشاعر السلبية التي لديك مثل الخوف والشعور بالذنب والكراهية والغضب والشفقة على الذات لأنها تبقيك في الأسر وتؤكد هويتك كضحية. سامح واغفر لكل الذين جرحوك، التسامح لا يعني تبرير تصرفات الآخرين تجاهك؛ ولكنه عمل داخلي بحت يساعدك على التخلص من المشاعر المؤلمة المكبوتة لديك؛ عندما تسامح ستكون حرًا.