الخوف من النجاح |
نحن نعيش في بيئة تُقدر النجاح وتُولي اهتمامًا كبيرًا بالناجحين وتُقابل النجاحات فيها بحماس، وثناء، وتشجيع؛ مما يُشعر الشخص بقيمته الشخصية، ومكانته الاجتماعية، وعلو شأنه، ولكن مشاعر النجاح تختلف من شخص لآخر فهناك أشخاص يخافون من النجاح ويخشون خوض مُغامراته دون وعي منهم لأسباب مختلفة.
فكما أن هناك الكثير ممن يخاف من الفشل، فإن هناك الكثير أيضًا ممن يخاف من النجاح.
الخوف من النجاح شعور حقيقي وموجود عند الكثير، ولكن قد يتساءل البعض ماذا يعني الخوف من النجاح؟ وكيف يمكن أن يخاف الشخص منه؟
إن الإعراض عن النجاح عادةً ما يحدث عندما يكون رأي الشخص عن نفسه شديد السلبية، وحديثه مع ذاته هدام وملئ بالشكوك الذاتية، والأفكار السلبية، فيتم من خلالها برمجة العقل الباطن بطريقة خاطئة.
الخوف من النجاح
الخوف من النجاح هو عبارة عن رهاب نفسي يَنبُع من المعتقدات والقناعات الذهنية الخاطئة، والمخاوف الوهمية التي تم اكتسابها مُسبقًا في مرحلة الطفولة؛ نتيجة التعرض للعديد من الصدمات النفسية المؤلمة، والتهميش، وسوء المعاملة؛ التي أدت بدورها إلى تكوين صورة ذهنية سيئة عن الذات.
حيث يمكن لهذا الخوف أن يتطور ويتحكم في مسار حياة الشخص وسلوكياته وبدون وعي منه.
الخوف من النجاح لا يعني الخوف من النجاح نفسه؛ ولكنه يعني الخوف من نتائج وعواقب ذلك النجاح، ومن التغيير الذي سوف يحدثه، والخوف من عدم القدرة على مواصلة النجاحات والحفاظ عليها، والخوف أيضًا من لفت انتباه الآخرين وتركيزهم المفرط وتعليقاتهم الساخرة، وانتقاداتهم السلبية في حال عدم تحقق النجاح أو فقدانه.
علامات الخوف من النجاح
هناك أشخاص لا يريدون النجاح، بل ويرغبون في الفشل وربما لا يدركون ذلك. في داخلهم خوفٌ مُبهم من النجاح؛ يفضلون دائمًا الوقوف خلف الأسوار وفي مؤخرة الصفوف، لأنهم يخشون الظهور ولفت الأنظار؛ لعدة أسباب منها الخجل وفقدان الثقة بالنفس، والتقليل من شأن الذات، ومن العلامات التي تدل على الخوف من النجاح ما يلي:
- رفض العديد من الفرص الجيدة دون سبب منطقي مُقنع
الأشخاص الذين يخافون من النجاح يرفضون المغامرة واستغلال الفرص في سبيل تحقيق النجاح؛ لأنهم يخافون من عدم القدرة على تحقيق ما يتوقعه الآخرون منهم؛ فيقومون بصياغة الأعذار، والحجج، والبراهين من أجل تبرير تصرفاتهم ومواقفهم، عقلهم الباطن رافض وبشدة لفكرة النجاح وما يتبعها من مسؤوليات والتزامات للمحافظة على هذا النجاح.
- العشوائية وعدم تحديد الأهداف
اللامبالاة والعيش بطريقة عشوائية وعدم تحديد الأهداف؛ أحد أهم علامات الخوف من النجاح والتي يقوم الشخص فيها بممارسة رغباته النفسية وعاداته السلبية المُدمرة للذات معتبرًا ذلك نوعًا من التمرد على الواقع.
- الكسل وعدم وجود دافع لاستكمال المشاريع
إن ضُعف الإرادة والعزيمة وفقدان الثقة بالنفس والخوف من التغيير وكراهية الظروف وعدم القدرة على مواجهة الصِعاب والواقع المؤلم كل هذا يعمل على فقدان الشغف ويؤدي إلى التقاعس والكسل اللذين يكونان من أبرز سمات كل شخص فاشل في الحياة.
- الاعتماد على الغير والتهرب من تحمل المسؤولية
الأشخاص الذين يخافون من النجاح يقومون بالتهرب من العمل بعمل آخر تافه لا يعود عليهم بأي منفعة مادية؛ ولكنهم يتخذونه كنوع من إقناع النفس والمجتمع بأنهم يعملون فعلًا ولم يشكلوا عبئًا على أحد.
أسباب الشعور بالخوف من النجاح
الخوف من النجاح قد يبدو غريبًا بعض الشيء؛ ولكنه صراع حقيقي للغاية يمكن أن يسيطر على توجهات الشخص وسلوكياته، وطريقة اتخاذه لقراراته دون أن يدرك الشخص ذلك.
هناك عدة أسباب وعوامل تؤدي إلى الخوف من النجاح والاستسلام للواقع وهي كما يلي:
التقدير المتدني للذات وفقدان الثقة بالنفس
تجارب الطفولة المؤلمة ومحاولات الماضي الفاشلة، والنظرة الدونية للنفس، والتقليل من شأن الذات وعدم اكتشاف المواهب والمهارات، والجهل بنقاط القوة والامكانيات المتاحة للشخص، والتعرض للإساءة وسوء المعاملة والتهميش من قبل أفراد الأسرة أو المجتمع كل هذا يؤدي إلى فقدان الثقة وتكوين صورة سلبية عن الذات والاعتقاد بعدم القدرة على المضي قدمًا نحو تحقيق النجاح.
الشك الذاتي والشعور بعدم الاستحقاق
غياب الوعي الذاتي وتقييم الذات بطريقة خاطئة، والتفكير بطريقة سلبية، والشك الذاتي، كل هذا يؤدي إلى الخوف من البدء في تحقيق النجاح والشعور بعدم الاستحقاق.
العزلة والانطواء
الخجل والخوف من الظهور ولفت الأنظار، والرغبة في العزلة، والابتعاد عن المجتمع والعيش بطريقة بسيطة؛ كل هذا يؤدي إلى الخوف من النجاح والاستسلام وتقبل الواقع.
الخوف من التغيير وفقدان الهوية الشخصية والمكانة الإجتماعية
كثير من الأشخاص يخشون الخوض في مغامرات النجاح؛ لأنهم يشعرون بالقلق من أن الناس سوف يصابون بخيبة أمل فيهم عندما لا يستطيعون تحقيق النجاح والارتقاء إلى مستوى التوقعات العالية التي يتوقعها الناس منهم فتقل بذلك مكانتهم وقيمتهم لدى من حولهم، حيث يلجأون إلى المحافظة على المكانة التي هم عليها ويعتقدون بأن الصورة الذاتية المتواضعة أكثر أمانًا وجاذبية من القفز نحو المجهول.
كيف تتوقف عن الخوف من النجاح وتتخلص منه
إن التجارب المؤلمة وسوء المعاملة التي يتعرض لها الشخص في الماضي، وحالات الفشل التي يواجهها؛ تولد لديه معتقدات وقناعات خاطئة وصورة سلبية عن نفسه ومخاوف كثيرة تعمل على التقليل من شأن ذاته، وتتحكم في مسار حياته وسلوكياته وبدون وعي منه.
فيما يلي بعض الطرق للتغلب على الخوف من النجاح:
اكتشف ذاتك وتخلص من كل المعتقدات والأفكار السلبية التي لديك
لكي تتمكن من تغيير حياتك وزيادة الثقة لديك أنت بحاجة إلى معرفة ذاتك الحقيقية لتعرف ما يتناسب معك، اكتشف مواهبك ومهاراتك ونقاط القوة لديك واعمل على تطويرها، استغل الفرص، فكر بطريقة إيجابية وتحكم في عقلك الباطن، تخلص من معتقداتك السلبية أولًا، لأن حياتك هي تجسيد لمعتقداتك وقناعاتك الذهنية، وتلك المعتقدات والقناعات هي نظامك الداخلي الذي تسيطر عليه وتتحكم به أنت فقط، فتغير معتقد واحد من هذا النظام؛ كفيل بأن يُغير طريقة تفكيرك وردود أفعالك والطريقة التي تنظر بها لما يحدث حولك.
تأكد من صحة أفكارك ومخاوفك وقناعاتك الذهنية
إن القناعات الذهنية والمعتقدات الخاطئة التي تم اكتسابها في مرحلة متقدمة من العمر تزيد من مخاوفنا وتقف عائقًا كبيرًا أمام تحقيق النجاح. فهي أشد فتكًا من نقص المهارات والمواهب.
إن القناعات الذهنية والمعتقدات هي الجوهر الرئيسي لحدوث عملية التغيير، وخلق الرغبات وتحريك الدوافع النفسية نحو تحقيق النجاح، فالقناعة الذهنية الخاطئة، والمعتقدات السلبية تُعتبر عائقًا كبيرًا أمام الأشخاص الذين يخافون من النجاح
لذا يجب عليك تغيير قناعاتك وأفكارك السلبية؛ لتتوافق مع الشخصية الناجحة، تأكد من صحة تلك القناعات الذهنية والمعتقدات التي تربيت عليها ويشوبها بعض القصور وعدم الملاءمة لتطورات هذا العصر، أو أن تكون تلك الأفكار مخالفة صريحة لثوابت لم تكتشفها من قبل.
فكر في النجاحات التي حققتها في الماضي
تذكر تلك الإنجازات والنجاحات التي حققتها في الماضي، وكيف تمكنت من تجاوز كل تلك العقبات، والصِعاب، والعوائق. انظر للجانب الإيجابي الذي لديك والامكانيات المتاحة أمامك، ثق بنفسك وأكتشف قدراتك، آمن بذاتك وبأنك تستطيع، كُن على يقين بأنك قادر على تحقيق ما تريد.
ابحث عن مصدر الخوف لديك
نحن لا نعوق أنفسنا عن النجاح بسبب جَهلَنا بالطرق التي يمكن أن نُحقق بها النجاح؛ ولكن بسبب مُعتقداتنا ومخاوفنا الكامنة في العقل الباطن والتي تفوق بكثير رغباتنا وأحلامنا الموجودة في العقل الواعي.
لذا اسأل نفسك ما سبب خوفك من النجاح؟ وما هي المخاطر التي يمكن أن تحدث لك في حال نجاحك؟
هل تخاف من التغيير وفقدان الأمان الذي أنت فيه؟
أم أنك تخاف من عدم القدرة على تحقيق ما يتوقعه الناس منك؟ أم أن الخوض في مغامرات تحقيق النجاح سيكلفك مواجهة الآخرين من حولك وانتقاداتهم السلبية لك؟
هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن تساعدك على معرفة ما تحتاج إليه لكي تتمكن من التغلب على مخاوفك.
ولكن مهما كانت مخاوفك، حاول أن تتحرر منها وذلك من خلال زيادة الوعي والإدراك؛ لأن بعض المخاوف قد تكون وهمية وغير صحيحة ولكن التفكير العميق والتحليل المستمر لكل ما يحدث حولك هو من يعطي لتلك المخاوف حجم أكبر من حجمها الطبيعي.
لا تنظر إلى واقعك الآن وما أنت فيه من أحداث على أنها أمور حتمية، وغير قابلة للتغيير؛ لأنك وبمجرد تغيير نظرتك للواقع تتغير ردة فعلك تجاه ما يحدث لك، بالتالي تتغير معتقداتك وقناعاتك الذهنية فيصبح العقل الباطن مستوعبًا لعملية التغيير فيولد لديك الرغبة والدافع النفسي لتحقيق التغيير الذي تريده في حياتك.
تقبل الألم وتحمل الشعور السيئ
النجاح رحلة ومسار لا ينتهي فكلما حققنا حلمًا راودنا الطموح إلى حُلمٍ آخر.
إنها رحلة مُمتِعة ومُريحة رغم وجود الكثير من العقبات ومحطات الفشل ومشاعر الحُزن والألم التي تصيبُنا، ولكن الأشخاص الناجحون هم من يُدركون تمامًا كيف يواجهون تلك المشاعر وذلك الألم ويكتسبون منه القوة والحكمة والخبرة لأنهم يعرفون أنفسهم جيدًا، ويعلمون بأن تلك المشاعر المؤلمة والظروف الصعبة التي يعيشونها لن تطول كثيرًا وتحتاج إلى وقت وصبر فقط وستمضي بسلام.
كما إنهم يُجيدون دفع الثمن ويعلمون بأن النجاح والتطور لا يتحقق إلا بالمقاومة والصراع مع الظروف، ومع المحيط الاجتماعي، ومع هوى النفس وحب الراحة والمتعة.
الناجحون هم من يصنعون من ذلك الألم الناتج من سخرية الآخرين، وتعليقاتهم السلبية قوة عظمى ودافع نفسي قوي يدفعهم لإثبات أنفسهم وتحقيق أحلامهم.
تحلى بالشجاعة وتخلص من الخجل والعزلة عن المجتمع
النجاح يحتاج إلى التحلي بالشجاعة والصبر وقول "لا" لكل شيء يُبعدك عن هدفك مهما كان ذلك الشيء.
يجب أن تُدرك بأنك مُمَيز ولك طريقك الخاص بك
تعلم … ابحث … قَدّر الإلهامات التي تمر في طريقك من أشخاص وأحداث وتجارب.
استوعب، وحاول أن تفهم الغرض والحكمة وراء كل ما يحدث لك في حياتك وفي العالم من حولك
ولكن إحذر أن تفقد نفسك بسبب الخوف، أو الخجل أو بسبب ما يَمُر بِك من ظروف صعبة، إياك أن تفقد بوصلتك الروحية، إياك أن يمتص وعيك ويقيده شيء، لا شخص ولا حدث ولا أي نوع طاقي آخر.
ابتعد عن الأشخاص السلبيين
ابتعد عن أعداء النجاح الذين يقللون من شأنك، وينتقدون أفكارك وطموحاتك، رافق أولئك الذين يُدخِلون حُب الحياة في روحك، من يثبتون لك أنك تستطيع الوقوف مجددًا في كُل مرّه تتعثر فيها، من يأخذون بيدك نحو النجاح ويزرعون فيك الثقة والأمل.
ابتعد عن كل ما هو سلبي، وأختلط أكثر بالأشخاص الإيجابيين؛ لأن الايجابية التي يتمتع بها من حولك ستؤثر على مستوى اللاوعي لديك، بدءًا من تغيير طريقة تفكيرك ونظرتك للواقع المحيط بك، حيث سيتم استيعاب وتخزين المزيد من التأكيدات والرسائل المشجعة في عقلك الباطن، وذلك من خلال ما تقوم به، وما تُحققه من نجاحات. مشاركة من حولك بأهدافك واستغلال مهاراتك سَيُغير الصورة الذهنية لذاتك، ويزيد من ثقتك بنفسك ويمكنك من اكتشاف مواهبك، وتطوير مهاراتك.
قيم نفسك بطريقة صحيحة وأدرك رسالتك في الحياة
لا أحد يعرف من أنت غيرك؛ فلا تبني صورتك الذهنية على حساب آراء الآخرين فيك؛ لأن ذلك سيكون مصدرًا للشعور بالإحباط والاكتئاب.
لا تنتظر من أحد أن يُبدي رأيه فيك، أو يتدخّل في شؤونك الخاصة، ولاتخاف من انتقاداتهِم السلبية، افعل كل ما أنت مقتنعٌ به، لأن تحقيق النّجاح سيكون صعبًا للغاية إذا كُنت مِمَن يُعيرون اهتمامًا لكلام الناس، ويتأثرون بـ إنتقاداتهم السلبية. هذه حياتك أنت ومن حقّك أن تعيشها كما تُريد بالطريقة التي تُحبها.
اكتشف نفسك وأعرف قدرك جيدًا، حاول أن تَتَوغل في أعماق ذاتك أكثر، لتعرف سر وجودك، وغايته، وسبب مجيئك إلى هذه الحياة.
توقف عن التشاؤم والتفكير بطريقة سلبية، دعك من تلك الشكوك الذاتية والمحيط الاجتماعي الذي يقف بوجهك، والظروف التي تظن بأنها تَمنعك من تحقيق ما تريد، كل هذه الأمور عاجزة تمامًا عن إبطال مهمتك التي كتبها الله لك في الحياة.
قيمتك ليست فيما أنت عليه الآن، بل بما ستكون عليه مستقبلًا، وبالرسالة والمهمة التي كتبها الله لك لتؤديها في هذه الحياة.
فكر بطريقة إيجابية وأبتعد عن كل شيء يقلل من قيمتك. بإمكانك أن تُحقق كل الذي تتمناه وتحلم به، فقط خطط لتحقيق ما تُريد ثم التزم بتنفيذه على أكمل وجه مهما كانت المعوقات.
فالله سبحانه وتعالى ما أعطاك مواهبك ومهاراتك إلا لتُحقق بها ذلك الحلم الذي ألهمك إياه، فلا تيأس أبدًا، اجعل لحياتك معنى، وحدد لنفسك الهدف والرؤية والمسار ثم امضي مستعينًا بالله واثقًا به.