الاكتئاب الوجودي |
يُصنف خبراء الصحة النفسية الاكتئاب إلى أنواع مختلفة منها الاكتئاب الهرموني الناجم عن اختلال التوازن الداخلي للمواد الكيميائية الموجودة في الجسم، واكتئاب الكساد الظرفي الناجم عن الأحداث الخارجية التي قد تواجه الشخص، والاكتئاب الشخصي الناتج عن المعتقدات والتصورات السلبية التي تؤدي إلى تدني قيمة الذات والشعور بعدم الاستحقاق، والاكتئاب الوجودي الناجم عن نقص المعنى وانعدام الاتصال بالروح.
في هذا المقال، سنتحدث عن الاكتئاب الوجودي الذي يعتبر نوعًا مختلفًا وغير عادي فهو لا يستجيب جيدًا للعلاج الطبيعي، لأنه متعلق بالروح وليس بالجسد.
مفهوم الاكتئاب الوجودي
الاكتئاب الوجودي هو الشعور باليأس والفراغ وانعدام المعنى وفقدان الدافع النفسي، وانعدام الرغبة في الحياة، والاعتقاد بأن معظم الأشياء في الحياة هي بالأساس أشياء غير مجدية وليس لها أي معنى.
حيث يفقد الشخص المصاب القدرة على الاستمتاع بأمور الحياة، لم يعد هناك أي شيء منطقي من وجهة نظره حيث يصبح كل شيء بلا معنى، بما في ذلك جميع إنجازاته، ورغباته، و أعماله المهنية، وعلاقاته الشخصية، وأهدافه.
يشعر معظم الأشخاص الذين يمرون في أزمة وجودية ويعانون من الاكتئاب الوجودي بـ الضياع والفراغ من الداخل والبحث عن معنى لكل ما يقومون به. وأكثر الأشخاص عرضة للاكتئاب الوجودي هم الأشخاص الموهوبين والمبدعين الذين يميلون إلى أن يكونوا مفكرين فلسفيين يريدون فهم معنى الحياة والهدف من الوجود.
علامات الاكتئاب الوجودي
هناك العديد من العلامات التي تدل على وجود الاكتئاب الوجودي لدى الشخص منها:
- التفكير بعمق وبشكل مستمر حول معنى الحياة وطبيعتها، حيث يتساءل الشخص عما إذا كان لحياته معنى أو غرض أو قيمة، مع وجود رغبة شديدة في الإجابة على أسئلة الحياة الكبرى المتعلقة بالأمور الغيبية.
- العزلة والشعور بالانفصال عن الآخرين.
- الشعور بالوحدة المزمنة والعميقة، وعدم الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية.
- الشعور بالفراغ وعدم جدوى الحياة.
- فقدان الاهتمام بشؤون الحياة اليومية. والاهتمامات المعتادة.
- قلة الحماس وانعدام الشغف وفقدان الحافز أو الدافع النفسي.
- انخفاض الطاقة والتعب المزمن، والمزاج الكئيب بشكل دائم ومستمر.
- التشاؤم والتفكير السلبي الذي قد يؤدي في النهاية إلى محاولة الانتحار.
الأسباب التي تؤدي إلى الشعور بـ الاكتئاب الوجودي
مع كل التكنولوجيا والوفرة المادية التي نعيشها اليوم إلا أننا نشعر بالفراغ والاكتئاب أكثر فأكثر لماذا؟
هناك العديد من الإجابات المحتملة، ولكن السبب الرئيسي لذلك هو فلسفي وروحي بطبيعته.
في مطلع القرن العشرين قام مجموعة من العلماء المتخصصين في مبحث الأعصاب من أمثال شرنغتون، وأكلس، وسبري بالعديد من البحوث المضنية التي خلصوا بعدها إلى أن الإنسان مكون من عنصرين جوهريين هما جسد فانٍ، وروح باقية لا ينالها الفناء، من هذه الثنائية التكوينية يتولد الصراع، فالإنسان كائن مركب من جزئين، جزء رباني متمثل في الروح، وجزء مادي يتمثل في الجسد، يتطلع الأول إلى العلو والسمو، ويحاول الثاني أن يشبع رغباته ومتطلباته، وبما أننا نعيش في عالم يعبد النظرة العلمية الآلية الاختزالية للحياة. أي شيء غيبي أو روحي في الطبيعة يتم تجاهله وعدم الاهتمام به، حيث نركز أكثر على الانشغال بالمادة وحب التملك فنلبي احتياجات الجسد فقط وهذا بدوره يؤدي إلى حدوث خلل في عملية التوازن بين الروح والجسد مما يؤدي إلى الانفصال العميق عن أرواحنا. حيث يُعرف هذا الانفصال باسم فقدان الروح وهو ما يؤدي في النهاية إلى الاكتئاب الوجودي.
فقدان الروح والانفصال عنها يحدث لعدد من الأسباب منها:
- تكييف مجتمعي سلبي.
- التعرض لصدمة نفسية.
- المعاناة من مأساة أو مشقة.
- الخضوع لتغيير مفاجئ في الحياة.
- عدم الاهتمام بالجانب الروحي، على سبيل المثال، التربية على قيم ضعيفة، أو ضعف الوازع الديني، أو اتخاذ خيارات لا تتماشى مع الروح، وما إلى ذلك.
كيف يمكن علاج الاكتئاب الوجودي؟
الاكتئاب الوجودي لا يمكن علاجه بالطرق المعتادة لأنه ليس بيولوجيًا أو هرمونيًا، إنه روحي بطبيعته.
نحن نتعامل مع فراغنا الوجودي بعدة طرق، ولكن الواقع الموحِّد لنا جميعًا هو أننا معدمون روحيًا. وهذا هو السبب الرئيسي للشعور بالاكتئاب الوجودي و الأزمة الوجودية، لقد فقدنا الاتصال بطبيعتنا الروحية ونتيجة لذلك نعاني بشدة، لأننا نعيش مركزية الأنا بدلًا من التركيز على الروح، والنضوج على جميع المستويات الجسدية والعقلية والعاطفية والروحية وتحقيق التوازن بين كل هذه المستويات.
الحقيقة هي أنه على الرغم من أننا كائن مركب من جزئين جسد وروح إلا أننا نركز أكثر على تلبية حاجات الجسد دون الروح، وذلك لأننا جميعًا لا نعرف كيفية تجسيد الروح ودمجها بالكامل في تجربتنا الإنسانية، حيث يسعى البعض للحصول على الراحة والمعنى في الفكر الديني، ويسعى البعض الآخر للحصول على الراحة في الفلسفة الروحية، أو علم النفس، ولا يزال البعض يسعى إلى الراحة من خلال الإدمان والسعي الخارجي المخدر للعقل.
7 طرق للتغلب على الاكتئاب الوجودي
عرّف المعالج النفسي الأمريكي "إرفين يالوم" بتعاونه مع الطبيب "رولو ماي" في كتابهما "مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي" القضايا الأربع الأساسية للحالة الإنسانية؛ وهي الموت والمعنى والعزلة والحرية، والتي أصبحت فيما بعد المبادئ الأساسية للعلاج الوجودي النفسي، حيث أكد كل من الطبيبين على أن سعي الإنسان لتحقيق المعنى والمغزى من الحياة يؤدي بشكل طبيعي إلى التوتر والاكتئاب والقلق، ويعتبران أن مشاعر القلق الوجودي ليست شيئًا سلبيًا أو سيئًا؛ ولكنها علامة من علامات الصحة النفسية حيث يرجع ذلك جزئيًا إلى التفكير الجوهري والانعكاسات التي يجب أن تحدث للتنبه إلى هكذا أمور، بدلاً من مجرد التركيز على الجوانب السطحية للحياة اليومية.
وذلك لأننا بحاجة ماسة وشديدة إلى السعي في سبيل إيجاد الهدف الذي يستحق أن نعيش من أجله، والمعنى الذي يساعدنا على البقاء والثبات والاستمرار في الحياة.
قد يكون ما تمر به مؤلمًا بشكل رهيب، ولكن اعلم بأنك تمر بعملية تجديد عقلي وعاطفي وروحي.
فيما يلي بعض الممارسات التي سوف تساعدك بشكل كبير على تجاوز الاكتئاب الوجودي:
1. حاول أن توازن بين الجانب المادي والجانب الروحي لديك
يمكنك العثور على الهدوء النفسي، والاتزان، والسعادة، والسلام الداخلي، كما يمكنك التخلص من كل المخاوف والصراعات الداخلية التي لديك، وذلك إذا تمكنت من اكتشاف معنى حياتك، والغرض من وجودك على ظهر هذا الكوكب.
معنى الحياة شيء مادي يتعلق بالجسد ويتمثل في تلبية شغفك ورغباتك والعمل في ما يمنحك المتعة والسعادة، والشعور بـ القيمة الذاتية.
أما الغرض من حياتك فهو شيء روحي يتعلق بالروح ويتمثل في الاتصال بالروح؛ وذلك من خلال ممارسة الشعائر الدينية، وتلبية احتياجات الروح، وتنمية الوعي الروحي.
2. يجب أن تدرك بأن قدراتك العقلية محدودة
من الطبيعي أن تبحث عن إجابة لكل الأسئلة الكبرى التي تراودك بشأن الحياة والدين وغيرها. لك الحق أن تبحث وأن تسأل وتقرأ ما تريد، ولكن تأكد بأن هناك أشياء وأمور غيبية لا يستطيع عقل الإنسان إدراكها أو تفسيرها؛ لأن قدراته العقلية محدودة جدًا.
العقل ليس كل ما في الحياة، لا تعتقد بأن الإنسان ينجو إذا أنتصر العقل على القلب؛ لأن الحياة ليست عملية عقلية فقط؛ بل حدسية وشعورية أيضًا وأعمق من أن ندركها بالعقل المجرد.
لايمكن للعقل أن يرى الحقيقة؛ لأن العقل لا يرى إلا أحكامه المُسبقة وبرمجياته التي تقوم بفصلك عن حقيقتك، حَكم قلبك فهو الأقرب لروحك؛ لطالما سمع الإنسان نداء قلبه الذي ينقذه من أوهام العقل، لذا لا تقع في فخ الاعتماد على العقل فقط. العقل ليس سوى صانع خرائط، ويمكنه أن يمنعك من العيش.
3. امنح ألمك معنى وغرضًا روحيًا أعلى
تعلم أن ترى تعاستك وانعدام المعنى بطريقة مختلفة. أعد تأطيرها وحاول أن تخرج منها بأكبر قدر من الحكمة، والوعي، والإدراك.
إذا غيرت نظرتك للأحداث وحاولت النظر إليها بمنظور أعمق وأشمل ستجد أن كل ما يحدث هو ما تحتاجه تمامًا في هذه المرحلة من حياتك، وأنك دائمًا ما تكتشف هذه الحقائق ولكن بعد مرور فترة لا بأس بها من الزمن، إذا لا يمكن لأي شخص أن يفهم المغزى في حينه.
لذا حاول قدر المستطاع النظر إلى الجانب الإيجابي واستخلاص الفائدة من كل حدث لا يعجبك، إذ لم تستطيع فعل ذلك فعلى الأقل كن مؤمنًا بأن ما تمر به عبارة عن فترة انتقالية وضرورية لوعيك، وأن كل ما يحدث هو خير في باطنه حتى لو ظهر لك العكس، تغيير النظرة والمفهوم يغير الأحداث بالفعل.
إن الإيمان واليقين بالخطة الإلهية المحكمة، ومحاولة النظر للأحداث دائمًا بنظرة أكثر ايجابية سوف تحول ذبذبات كيانك إلى رضا وسكينة، وامتنان، وسلام، وهي الذبذبات المطلوبة لوضعك في الحالة المثلى لتسارع عملية الارتقاء الروحي، وارتفاع الوعي بطريقة أسرع وأكثر سلاسة.
4. اكتشف شغفك
إن اكتشاف ما هو شغفك، وما الذي يجعلك تشعر بالحماس للبقاء على قيد الحياة هو طريقة رائعة للتغلب على الاكتئاب الوجودي. سيساعد وجود معنى، أو مهمة شخصية يجب عليك تحقيقها على إضافة قيمة لذاتك وعمق كبير إلى حياتك.
الشغف هو حب ما تفعله والشعور بالمتعة والحماس عند ممارسته، هو الرغبة الجامحة التي يكاد يكون التحكم فيها مستحيلًا.
5. تعاطف مع ذاتك
يمكن أن يكون ما تمر به مؤلم جدًا، لذا كن لطيفًا مع نفسك. امنح نفسك الإذن بالتمهل، وإنشاء مساحة آمنة، وممارسة الرعاية الذاتية. التزم بالإفراج عن الأنماط والأفكار والمعتقدات القديمة، تخلص من كل ما يشعرك بالدونية.
عندما تحب ذاتك وتتعاطف معها فإن هذا سيولد لديك الشعور بالاستحقاق والقيمة ويساعدك على الانسجام مع الذات والاتصال بالروح.
من خلال الاحتفاظ بمساحة لهذا الجزء الحساس من نفسك، فإن اكتئابك الوجودي سوف يبدأ بالتلاشي تدريجيًا.
6. كن منفتحًا وتواصل مع الآخرين من حولك
الانفتاح على الحياة والتواصل مع الآخرين وبناء علاقات قوية وعميقة وصادقة، علاقات تكون فيها على حقيقتك دون تصنع أو زيف سوف تساعدك كثيرًا على الخروج من الفراغ المظلم الذي أنت فيه.
7. تحمل المسؤولية عن سعادتك
لا يمكن إحراز تقدم أو تغيير حقيقي في الحياة دون تحمل المسؤولية الذاتية. الحياة متعددة الأوجه، فهناك اكتئاب وشقاء وتعاسة، ولكن يوجد أيضًا فرح وسلام وسعادة؛ تعلم كيف تعيش كلا الجانبين في حياتك اليومية، عندها ستجد المزيد من الكمال والتوازن الداخلي.
من المهم الاعتراف بالقضايا الوجودية العميقة والخطيرة، ولكن من المهم أيضًا الاعتراف بجمال الحياة وأهميتها.
كلنا نمتلك استفسارات وأسئلة بشأن ماهية هذا الوجود والهدف منه، ولكن وقبل كل شيء، يجب أن نفهم أننا أكثر بكثير من الأنا المحدودة التي نشعر بأنها صغيرة ومنفصلة، وأن هناك أشياء وأمور غيبية تتجاوز حدود العقل ولا يمكننا إدراكها من خلاله.