تعتمد قدرتنا على التنقل بنجاح خلال حياتنا بشكل كبير على مستويات الذكاء الاجتماعي لدينا.
الذكاء العقلي وحده غير كافي لخوض غمار الحياة، قد يجعلك تعيش حياة ناجحة نسبيًا ولكن في إطار محدود حتى تنتهي حياتك إما كموظف عادي، أو شخص مغمور.
التفوق العلمي أو الذكاء العقلي مهم ولكن ما يجب أن تكتسبه أيضًا إلى جانب ذكائك العقلي والعاطفي هو الذكاء الاجتماعي، هذا النوع من الذكاء سيجعلك قادر على خوض غمار الحياة على نطاق أوسع وبمستوى نجاح أكبر، حيث يمنحك القدرة على التعامل مع المجتمع بكل أطيافه، وبكل ما فيه من أشياء جميلة واخرى سيئة، مما يساعدك على التنقل بنجاح خلال مشوار حياتك، حيث يؤثر بشكل كبير على العلاقات التي تشكلها مع شركائك وأطفالك، ودوائر الصداقة التي تبنيها مع من حولك، كما يؤثر أيضًا على قدرتك على التقدم في أعمالك وطموحاتك.
في هذا المقال سنتحدث عن مفهوم الذكاء الاجتماعي، وعن كيفية اكتسابه وتطويره؟
تعريف الذكاء الاجتماعي.
الذكاء الاجتماعي هو القدرة التي تُمكن الشخص من فهم الدوافع والمشاعر والحالات المزاجية التي يمر بها الآخرين، والتعامل معها بشكل صحيح ومناسب.
هناك العديد من التعاريف التي قدمها علماء النفس عن الذكاء الاجتماعي، ولكن التعريف الأكثر شمولًا هو التعريف الذي قدمه عالم النفس "فيرون" حيث وصف الذكاء الاجتماعي بأنه:
القدرة على الانسجام مع الناس بشكل عام، ومعرفة المسائل الاجتماعية، وقابلية التعرض للمحفزات من الآخرين، والنظرة الثاقبة للحالات المزاجية المؤقتة أو السمات الشخصية الأساسية للغرباء.
الذكاء الاجتماعي عبارة عن بناء قائم على العلاقة حيث يركز على الطريقة التي نفهم ونتفاعل بها ونقدم أنفسنا من خلالها للآخرين.
يلعب الذكاء الاجتماعي دورًا مهمًا في تكوين العلاقات وتقوية التفاعلات البشرية. تعلم مهارات الذكاء الاجتماعي لن يجعلك على صلة وثيقة بالمجتمع فحسب، بل سيحولك إلى شخص مؤثر وموثوق به في دوائرك الشخصية والمهنية.
الفرق بين الذكاء الاجتماعي والذكاء العاطفي.
الذكاء بشكل عام ليس قدرة معرفية فردية، ولكنه يشتمل على عدة أنواع من الذكاء، وكلها منفصلة عن بعضها البعض. تنبع هذه الفكرة إلى حد كبير من نظرية عالم النفس "هوارد جاردنر" التي وضعها في العام 1983م، عن الذكاءات المتعددة التي اقترح فيها ثمانية أنواع مختلفة من الذكاء، ولكن نظرية جاردنر تعرضت لانتقادات كثيرة بسبب نقص البحث التجريبي ولكونها واسعة للغاية. ولكن مازال هناك اهتمام متزايد بالجوانب الشخصية والاجتماعية لنظريته، اليوم يشار إلى الذكاء الداخلي والشخصي على نطاق أوسع على أنهما الذكاء العاطفي والاجتماعي، على التوالي.
حيث يشير الذكاء العاطفي إلى قدرة الشخص على فهم وإدارة مشاعره وعواطفه، والتحكم فيها ومعرفتها واستخدام هذه المعرفة لتوجيه سلوكه.
في حين أن الذكاء الاجتماعي يشير إلى القدرة على فهم الآخرين، وكيف يعملون، وما الذي يحفزهم، وكيفية العمل بشكل تعاوني معهم.
مفهوم دانيال جولمان للذكاء الاجتماعي.
وضع دانيال جولمان في العام 2006 م تصورًا عمليًا للذكاء الاجتماعي يتضمن وجهين رئيسيين هما:
- الأول هو الوعي الاجتماعي.
الوعي الاجتماعي طيف يمتد من الإحساس الفوري بالحالة الداخلية للآخر، إلى فهم مشاعر الآخرين وأفكارهم، والقدرة على "الحصول" على مواقف اجتماعية معقدة. حيث يشمل الوعي الاجتماعي ما يلي:
- التعاطف البدائي: وهو القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين من خلال الإشارات غير اللفظية.
- التناغم: الاستماع بتقبل كامل.
- دقة التعاطف: فهم أفكار ومشاعر ونوايا شخص آخر.
- الإدراك الاجتماعي: فهم كيفية عمل العالم الاجتماعي وما يدور فيه.
- الجانب الثاني هو المرفق الاجتماعي.
يشير المرفق الاجتماعي إلى القدرة على التفاعل السلس والفعال مع الآخرين، حيث تشمل المرافق الاجتماعية ما يلي:
- التزامن: سهولة التفاعل مع الآخرين على المستوى غير اللفظي.
- عرض الذات: تقديم أنفسنا بشكل جيد.
- التأثير: تشكيل نتيجة التفاعلات الاجتماعية.
- القلق: الاهتمام باحتياجات الآخرين والتصرف وفقًا لذلك.
تدعم العديد من الدراسات التجريبية مفهوم جولمان للذكاء الاجتماعي، والذي يضم العديد من العناصر المختلفة. على سبيل المثال، الدليل على التعاطف البدائي، واضح من البحث في الخلايا العصبية المرآتية، حيث تنشط الخلايا العصبية المرآتية عندما نلاحظ رد الفعل العاطفي لشخص آخر، مما يوفر الأساس العصبي للتعاطف.
التعاطف هو أساس التجارب العاطفية المشتركة التي نشعر بها كجماعة اجتماعية مثل الفرح المشترك عند حدوث أشياء سارة ومفرحة، والإثارة المشتركة عند مشاهدة حدث رياضي، والحزن المشترك عندما يموت شخص ما.
دعمًا لفكرة التأثير، تُظهر الأبحاث أن أولئك الذين يستطيعون التعبير عن أنفسهم بلباقة ينظر إليهم من قبل الآخرين على أنهم أكثر تفضيلًا. لذا يجب على المرء أن يعبر عن نفسه بطريقة مرغوبة للآخرين لتحقيق التأثير.
5 طرق لتحسين مهارات التأثير والذكاء الاجتماعي.
فيما يلي مجموعة من النصائح التي ستمكنك من تحسين وتعزيز مهارات الذكاء الاجتماعي لديك وهي:
1- كن على دراية بلغتك الداخلية وتتبع ما تشعر به.
ادرس تعابيرك الدقيقة وإيماءاتك، حتى تكون على دراية بكيفية استجابتك الحقيقية للآخرين. الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء الاجتماعي يستطيعون اكتشاف مشاعر الآخرين والتفاعل معها، كما أنهم يتمتعون بقدرة حدسية تمكنهم من التحدث بعفوية وسلاسة في مختلف المواقف الاجتماعية.
2- اختلط أكثر بالأشخاص الإيجابيين واعمل على بناء علاقات قوية معهم.
الأصدقاء يجعلونك بصحة جيدة، العلاقات الإيجابية هي وصفة لأفضل جهاز مناعة وحياة سعيدة وممتعة.
إقامة العلاقات مع الآخرين والإقدام على التواصل مع الآخرين وإقامة العلاقات الاجتماعية المختلفة بشكل دائم ومستمر والانفتاح عليها يساعد الشخص على اكتساب العديد من المهارات والمعارف الاجتماعية التي تجعله يتمتع بمقدار عالِ من الذكاء الاجتماعي والتأثير على الآخرين، فكلما زاد اختلاط الفرد وانخراطه بالعلاقات الإيجابية مع الآخرين زادت فرصته في تطوير وتنمية مهاراته الاجتماعية.
3- إتقن فن الاستماع للآخرين.
تدرب على الاستماع الفعال حتى تتمكن من المشاركة والتواصل مع الآخرين بشكل كامل.
الاستماع الجيد والإنصات للآخرين بشكل صحيح من الفنون المهمة التي تنمي الذكاء الاجتماعي لدى الشخص، حيث تمكنه من التعامل مع الآخرين بطرق ذكية ومناسبة.
لذا يجب أن تمنح الناس انتباهك الكامل عند التحدث معهم. لأنهم يحبون أن يشعروا بأنهم مسموعون، وسوف يساعدك ذلك على تطوير علاقات جديرة بالاهتمام.
4- احترس من لغة الجسد.
في كثير من الأحيان، تخبرنا لغة جسد الناس كثيرًا عما يشعرون به، حتى لو لم يقولوا ذلك.
لذا فإن فهم لغة الجسد من أهم المهارات الاجتماعية التي تمكننا من تحقيق التواصل الاجتماعي البناء والمثمر.
الانتباه للغة الجسد يساعدك على مراقبة إيماءات الآخرين عند اللقاء الأول وأخذ الانطباع الأولي عنهم، حيث أنه يتيح الفرصة أمامك للتعرف على العديد من الرسائل الغير لفظية التي يرسلها الآخرين بشكل تلقائي.
بالطريقة نفسها، كن على دراية بلغة جسدك وكيف تقدم نفسك للآخرين. إذا كنت منشغلًا بشيء ما، أو أظهرت عدم الاهتمام جسديًا أثناء المحادثة، فقد يؤدي ذلك إلى فقدان المتحدث الثقة فيما تقوله، مما يؤدي إلى تفاعل سلبي.
5- تعلم تفسير السلوك غير اللفظي للناس.
لا يمكن إجراء الروابط الحقيقية مع الأشخاص إلا إذا فهمت كيف يشعرون عاطفيًا.
الأفكار هي مساعي فكرية للشخص، لكن العواطف هي تمثيل عميق للذات الحقيقية للشخص. المشاعر تستدعي اللقطات في معظم المواقف. والحقيقة هي أن السلوك غير اللفظي - الإيماءات والمواقف والتعبيرات - هو أكثر تمثيل موثوق به لعواطف المرء. وبالتالي، لتطوير الذكاء الاجتماعي، من الضروري تعلم المهارة العلمية لتفسير السلوك غير اللفظي.