طبيعة الذكاء الروحي وأهميته وطرق اكتسابه.
الذكاء الروحي |
يعتبر الذكاء الروحي الذكاء الأكثر أهمية من بين جميع أنواع الذكاء الأخرى، حيث يساعدك على تغيير مسار حياتك، ويمكنك من فهم طبيعة الأشياء من حولك والإجابة على العديد من التساؤلات الروحية، حيث يوسع الذكاء الروحي من قدرتك على فهم الآخرين وتحرير نفسك من التعلق والحاجة وينمي قدرتك على تلبية احتياجاتك الداخلية.
في هذا المقال، سنتحدث عن الذكاء الروحي وعلاقته بالسعادة النفسية ، وكيف يمكن اكتسابه وتطويره؟
ما هو الذكاء الروحي
الذكاء الروحي هو تعبير عن الصفات الروحية الفطرية وتطبيقها من خلال أفكارك وأفعالك ومواقفك.
الذكاء الروحي هو بُعد أعلى للذكاء يُنشط صفات وقدرات الذات الأصيلة (الروح)، حيث يتجلى على شكل اكتساب الحكمة والرحمة والاستقامة والحب والسلام. ينتج عن الذكاء الروحي إحساس أعمق بالمعنى والغرض، مع وجود تحسينات كبيرة في مجموعة واسعة من المهارات الحياتية الهامة.
أن تكون روحيًا هذا يعني أن تفكر وتتصرف وتتفاعل من إدراك الذات كروح وليس شكل، روح وليست جسد.
مثلًا، إذا كنت تُعرف نفسك على أنها كائن روحي، فإنك ستعرف أيضًا أنك لا تملك أو لا تمتلك أي شيء. عندها لن تشعر بالضرر أو القلق بشأن ما يحدث في حياتك، لن يؤثر عليك ذلك بأي شكل من الأشكال، لأنك قادر على استخدام قوتك الروحية للقبول والمضي قدمًا نحو ما تريد.
وكمثال على ذلك، إذا امتدحك شخص ما، أو تم التعليق عليك بشكل سلبي من قبل الآخرين، فلن تتأثر أبدًا؛ لأنك تدرك قيمتك الحقيقة وتعلم أن جمالك الحقيقي يكمن في جوهرك الشخصي وطبيعتك الداخلية التي لا يمكن لأحد التأثير عليها. عندما تصل لهذه المرحلة، يمكنك الاعتماد على القوة الداخلية لتلك المعرفة واستخدامها لتظل مستقرة في مواجهة سلبية الآخرين.
الشخص الذي يتصف بالذكاء الروحي يتحلى بالعديد من القيم الروحية التي تسهم في تعزيز ذلك الذكاء وبدون تلك القيم لا يمكن الوصول إلى الذكاء الروحي ومن هذه القيم الصدق والوفاء، والشجاعة، والصبر، والتسامح، والعدل، والمثابرة، والسلام، والامتنان، والإحسان، والحب، والتعاطف، والأمانة… وغيرها من القيم النبيلة، وهذه القيم هي المبادئ التي يبني عليها من يتسم بالذكاء الروحي سلوكياته وأخلاقياته وحياته الروحية.
ما هو الفرق بين الذكاء الروحي والروحانية
الروحانية تجربة شخصية مرتبطة بعلاقتك مع الله. فهي تهتم في المقام الأول بمعرفة من أنت وتنمية وعيك الروحي وإيجاد الطبيعة الروحية الحقيقية واختبارها وتجسيدها.
الروحانية هي معرفة نفسك كروح، وفهم أسمى قيمك الشخصية وصفاتك الروحية مثل الحب والسلام والنقاء والرحمة وغيرها.
أما الذكاء الروحي هو إدراك من أنت وعيش الحياة وفقًا لوعيك الروحي الذي اكتسبته من خلال تجربتك الروحية.
الذكاء الروحي هو التعبير عن تلك الصفات الروحية الفطرية وتطبيقها من خلال مواقفك وأفكارك وسلوكياتك؛ بمعنى أن أفعالك تتوافق مع قيمك ومبادئك وصفاتك الروحية.
كونك روحانيًا يعني أن الأنا الزائفة التي شكلتها الظروف والواقع الاجتماعي قد تلاشت، وقد تم استعادة الفضيلة إلى الشخصية من خلال القيم الروحية التي تربط بين عالمك الداخلي والخارجي. إنها القدرة على رؤية كل إنسان آخر على أنه روح، وبالتالي تجاوز كل الهويات الزائفة للعرق واللون والجنسية والمهنة وغيرها. من خلال هذا الوعي يمكننا بعد ذلك التعرف على القوة العظمى والتواصل معها.
عندما تدرك من أنت حقًا، ستكون في سلام مع نفسك ليس فقط لأن السلام هو طبيعتك الحقيقية والأصلية؛ ولكن لم يعد هناك أي انقسام داخلي؛ حيث ينتهي الصراع بين العديد من الهويات التي قمت بإنشائها سابقًا.
عندما تدرك من أنت حقًا، فأنت في سلام مع الآخرين. لم تعد مضطرًا للدفاع عن أي صورة زائفة لنفسك أو حمايتها، لذلك لم تعد ترى أن أي شخص آخر يمثل تهديدًا لصورتك الذاتية الحقيقية. عندما تدرك من أنت حقًا، فأنت في سلام مع العالم لأنك ستحتوي العالم بدلًا من احتوائه لك. عندما تدرك ذاتك الحقيقية فإنك لن تسمح للعالم أو المجتمع بفرض نفسه عليك وتشكيل تصوراتك ومشاعرك وفقًا لشعورك الخاص بالهوية، لأن إدراكك لذاتك الآن أصبح مستقر في الهوية الصحيحة؛ بمعنى أنك تقوم بتشكيل العالم بطريقة أكثر وعيًا.
قوة الذكاء الروحي وأهميته
يوسع الذكاء الروحي من قدرتك على فهم الآخرين. كما يسمح لك الفهم الروحي بتمييز "السبب الحقيقي" للسلوك دون إصدار أي حكم، وتلبية "الاحتياجات الحقيقية" لذاتك وللآخرين أيضًا. يتم تطوير هذه القدرة من خلال التعلم أولًا لتحرير نفسك من التعلق والحاجة والقدرة على تلبية احتياجاتك الداخلية. هناك فوائد كثيرة للذكاء الروحي منها:
1- يحررك الذكاء الروحي من الاحتياج والتشبث بعلاقاتك الشخصية، ويحقق لك الاكتفاء الذاتي
عندما تدرك أن كل شيء في هذه الحياة يحدث لحكمة وأن رزقك وكل ما تحتاجه بيد خالق هذا الكون ومدبر شؤونه؛ فأنت حر حينئذٍ في التصرف والتفاعل دون أي ضغوط أو أجندة. لن تسعى للحصول علي أي شيء من الآخرين. في الواقع، أنت تتصرف من خلال أصالة لا تريد شيئًا من أي شخص آخر، بل تعمل فقط على العطاء دون انتظار المقابل.
إن التفكير بهذه الطريقة يحرر كلا الطرفين في العلاقات الاجتماعية ليكونا على طبيعتهما، وهذا هو الأساس الأعمق لأي علاقة مفتوحة وصحية ومتناغمة مبنية على القيم الروحية المزدوجة المتمثلة في الثقة والاحترام.
2- يساعدك على أن تعيش حياة عائلية سعيدة
وجود الذكاء الروحي في سياق الأسرة يسمح للأفراد بإيجاد طريقة أكثر نضجاً للتواصل مع بعضهم البعض، طريقة خالية من الاعتماد العاطفي، وقادرة على احتضان "الآخر" بغض النظر عن سلوكهم أو حالتهم العاطفية.
3- يمكنك من تحقيق نجاح كبير في حياتك العملية
عندما تكون ذكي روحيًا فإن عملك لن يصبح عملًا روتينيًا بغرض كسب المال، ولكنه يصبح عملية إبداعية وخدمة إنسانية ومساهمة عملية في تطوير المجتمع.
الذكاء الروحي يولد لديك الشعور بالمعنى وينمي صفة الإيثار تجاه الآخرين ويمكنك من الحفاظ على هدوءك وتركيزك عند مواجهة الأزمات والشدائد، ويجعلك تنظر للحياة من منظور أكثر استنارة واسترخاء وسعادة.
كذلك عندما يوجد الذكاء الروحي لدى الإدارة أو الفئة القائمة على العمل فإنه يمكنهم من قيادة الآخرين من خلال موقف استباقي ورؤية إيجابية. حيث يُنظر إلى الآخرين ويعاملون على أنهم أشخاص وليسوا كائنات أو موارد لإنجاز العمل، مما يمنح الأفراد فرصة تعلم المهارات الداخلية والرائعة لبناء العلاقات والحفاظ عليها في مجالات الحياة المختلفة. تشمل هذه القدرات بناء الثقة، والعمل بنزاهة، والتعاطف على مستوى يتجاوز العاطفة.
هل يؤثر الذكاء العاطفي على الذكاء الروحي
قد تعتقد أن سبب مشاعرك وعواطفك هو الأحداث الخارجية وأفعال الآخرين، ولكن الأمر ليس كذلك. كل المشاعر سببها داخلي. إن رؤية السبب الأصلي وفهم ما يعنيه هو مجال الذكاء الروحي.
الذكاء العقلاني يدير الحقائق والمعلومات، باستخدام المنطق والتحليل لاتخاذ القرارات. الذكاء العاطفي ضروري لفهم عواطف المرء ومشاعره والتحكم فيها، مع مراعاة مشاعر الآخرين. من ناحية أخرى، يعد الذكاء الروحي ضروريًا لما يلي:
- لإيجاد واستخدام أعمق الموارد الداخلية التي تأتي منها القدرة على الرعاية والقدرة على التحمل والتكيف.
- لتطوير شعور واضح ومستقر بالهوية كفرد في سياق العلاقات الاجتماعية.
- لتحديد القيم الشخصية ومواءمتها مع إحساس واضح بالهدف.
- للعيش وفقًا لتلك القيم دون مساومة.
- لفهم أين وكيف يتم تخريب كل ما سبق من قبل البرمجة الخاطئة لـ الأنا الزائفة.
هناك العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي تعمل على زيادة الدافع النفسي لدينا، حيث يمكننا استخدام قيمنا بوعي لتحفيزنا. كما يمكننا أيضًا استخدام أفكارنا وذكرياتنا لذلك، ولكن المحفز الرئيسي والدافع الأعمق لأي إنسان هو الإحساس الواضح بالمعنى والهدف. يمكن أن ينشأ هذا فقط عندما نعرف من نحن؟ وأين نحن؟ وماذا لدينا في أعمق مستوى؟ وهذا هو المكان الذي يتدفق فيه الذكاء العاطفي إلى الذكاء الروحي. فقط في هذه الحالة من الوعي الذاتي يمكننا أن نُدرك المعنى الحقيقي للأشياء، والأحداث، والظروف، وعندها سنجد الشغف ونكون قادرين على رؤية هدفنا بوضوح تام.
طرق اكتساب الذكاء الروحي وتحقيق السعادة النفسية
نتيجة للبرمجة الاجتماعية التي نتعرض لها خلال حياتنا والتي تجعلنا نعتقد بأن حقيقتنا الذاتية وقيمتنا الشخصية مرتبطة بـ مسمياتنا وأشكالنا الجسدية ومانملكه من أشياء مادية، مما يجعلنا نتحد مع أجسادنا أو التسميات التي نعطيها لأنفسنا. هذا الإحساس الخاطئ بالذات هو ما يخلق لدينا كل تلك المخاوف والأفكار السلبية، وحالات الغضب والحزن في حياتنا.
من وجهة نظر روحية، تكون هذه المشاعر دائمًا نتيجة البرمجة الخاطئة لـ الأنا الزائفة التي شكلناها عن أنفسنا، والتي تمنعنا من الوصول إلى طبيعتنا الروحية الحقيقية التي تتسم بالسلام والمحبة والبهجة.
فيما يلي مجموعة من الطرق والأساليب التي ستساعدك في التخلص من تلك الأوهام والمفاهيم الخاطئة التي تمنعك من رؤية هويتك الحقيقية. وكلما تم ممارسة هذه الأساليب، زادت سرعة الإدراك والفهم وتنمية الذكاء الروحي لديك وهي:
1- ممارسة التأمل
يمكن للتأمل أن يساعدك في تنمية الوعي الذاتي لديك. واستعادة قدرتك على التحكم في أفكارك ومشاعرك، وشحذ قدرتك على تمييز الحقيقة من الوهم، مما يساعدك على اتخاذ خيارات أكثر ذكاءً وحكمة.
إن إدراكك ويقينك أنك معجزة ربانية عظمى في هذا الوجود وأنك مكرم ومخلوق لهدف سام ونبيل. هو الخطوة الأولى نحو الذكاء الروحي.
2- المراقبة الذاتية أو الملاحظة المنفصلة
قدرتك على الانفصال عن عالم الفعل والتفاعل خارج نفسك، ومراقبة أفكارك ومشاعرك داخل وعيك طريقة رائعة تمكنك من الحصول على رؤية أكثر وضوحًا بالتالي تمكنك من امتلاك فهم أكثر عمقًا لما يحدث بالفعل. هذه الممارسة ضرورية ومهمة جدًا حيث تساعدك على عدم إهدار طاقتك الداخلية على المستويات العقلية والعاطفية التي تعتبر مصدر إرهاق كبير جدًا.
3- إعادة التفكير
يتضمن ذلك قضاء بعض الوقت على أساس يومي لمراجعة وإعادة تقييم تجاربك السابقة وتفاعلاتك مع الآخرين. هذا يسمح لك ببناء وتنمية وعيك الروحي، وإدراك العلاقة بين العالم الداخلي للأفكار والمشاعر، والعالم الخارجي للفعل وعواقب تلك الأفعال.
4- ممارسة الروحانية والشعائر الدينية
هناك مصدر أعلى للقوة الروحية ومن الممكن التواصل مع هذا المصدر وتمكين الذات. يؤدي هذا إلى تسريع عملية التطور وزيادة عمق تفكيرك وتنمية ذكائك الروحي وسعادتك النفسية. الطاقة التي تستمدها من المصدر الأعلى ضرورية لإزالة الفوضى الداخلية لديك وزيادة تركيز وعيك.
ممارسة الشعائر الدينية وكثرة التعبد لخالقك والتأمل الحقيقي والمستمر في هذا الكون من شأنه أن يوسع وعيك ويهدأ فكرك ويقربك من ذاتك الحقيقية أكثر فتمتلك بذلك البصيرة والحكمة وتجد السعادة في حياتك.
5- تحقيق التوازن الجسدي والفكري والروحي
طريقة أخرى يمكنك القيام بها لزيادة ذكائك الروحي وهي التأكد من أن علاقتك مع الله ومع نفسك ومع جسدك ومع الآخرين من حولك متوازنة. من المهم جدًا تلبية كل احتياجاتك الجسدية والروحية والفكرية وذلك من أجل إيجاد السلام الداخلي والهدوء النفسي.
6- التعلم والممارسة
التعلم الجديد، والرؤى الجديدة، والإدراكات الجديدة ليست سوى نظريات وليس لها القدرة على تغيير حياتك ما لم يتم تفعيلها وتطبيقها على أرض الواقع، والسماح لها بتشكيل سلوكيات جديدة لديك، ومن ثم إتقانها في عملية التنفيذ والتعبير. التطبيق العملي ضروري للحفاظ على زخم تطوير الذكاء الروحي لديك.
7- الرؤية
من وجهة نظر روحية، فإن الرؤية تعني كيف ترى "الآخر"؛ بمعنى كيف تنظر للآخر بداخلك، والذي سيكون انعكاسًا لكيفية رؤيتك لنفسك في تلك اللحظة.
الرؤية الروحية هي تعلم رؤية الأفضل فقط في الآخرين ومن خلال القيام بذلك يمكننا مساعدة وتمكين الآخرين من تطوير أنفسهم.