كيف تحقق أقصى استفادة من كل تجاربك في الحياة؟
التأمل الذاتي |
هل سألت نفسك يومًا كيف يتمكن بعض الأشخاص من تحقيق قدر هائل من النجاح في فترة زمنية قصيرة جدًا؟ كيف يواجهون المحن الهائلة والظروف الصعبة، ويتمكنون من قلب الأمور لصالحهم وينتقلون بنجاح من صعوبة إلى أخرى لتحقيق أقصى استفادة من كل المواقف التي تظهر في طريقهم؟
ما هي المهارة التي يمتلكونها وتجعل أمورهم تسير بهذه الطريقة؟ قد تعتقد بأن الأمر يتعلق بالحظ؛ ولكن الأمر ليس كذلك، حيث يتعلق الأمر بالمهارة العقلية للتأمل الذاتي العميق الذي يمكنهم من النظر إلى ما وراء العقل الواعي، ويوفر لهم فرصة تشكيل حياتهم بوعي وفاعلية عن قصد. ما يعنيه هذا هو أنهم لا يستجيبون للأحداث والأشخاص والظروف بطرق عشوائية. ولم يعودوا تحت رحمة العالم من حولهم؛ لأنهم ومن خلال التأمل الذاتي قد أصبحوا أكثر وعيًا بـ الدوافع الكامنة وراء سلوكياتهم ومشاعرهم وردود أفعالهم.
في هذا المقال، سنتحدث عن التأمل الذاتي وأهميته؟ وعن خطوات التأمل الذاتي والكيفية التي يمكننا من خلالها أن ننخرط في هذا النوع من التأمل؟
ما هو التأمل الذاتي؟
التأمل الذاتي هو القدرة على إدراك وتقييم عملياتنا المعرفية والعاطفية والسلوكية وتحليل الأسباب التي أدت إلى حدوثها.
بعبارة أخرى، فإن التأمل الذاتي هو عملية عقلية يمكنك استخدامها لتنمية فهمك لهويتك، ومعرفة قيمك، وإدراك الدوافع الكامنة وراء سلوكياتك ومشاعرك وأفكارك. عندما تفكر في نفسك وتصبح أكثر وعيًا بما يدفعك، يمكنك بسهولة إجراء تغييرات تساعدك على تطوير نفسك وتحسين حياتك بشكل أفضل.
يرجع السبب الحقيقي وراء استمرار الكثير من الأشخاص في النضال وبذل المزيد من الجهد دون أن يحققوا النتائج المرجوة، بينما يتغلب الآخرون بنجاح على أكبر الصعوبات والمعوقات التي تواجههم إلى ممارسة التأمل الذاتي بشكل منتظم.
أولئك الذين يكافحون هم ببساطة لا يأخذون الوقت الكافي للتعلم من تجاربهم من أجل إجراء التعديلات اللازمة لتحسين نتائجهم!
أما الأشخاص الذين يتغلبون على أكبر الصعوبات فإنهم يقومون بقدر هائل من البحث عن الذات، ويأخذون الوقت الكافي للتعلم من تجاربهم وذلك من خلال وضعها في منظورها الصحيح وهذا ما يساعدهم على تجاوز معوقات النجاح واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب، وتعديل مسار عملهم والمضي قدمًا نحو تحقيق المزيد من النجاحات.
فوائد التأمل الذاتي.
الكثير من عاداتنا وأنماط سلوكياتنا والبرمجة الاجتماعية التي نتعرض لها مسبقًا موجودة في عقلنا الباطن اللاوعي على هيئة معتقدات وقناعات ومخاوف تتحكم في سلوكياتنا وردود أفعالنا، وطريقة تفكيرنا، وشعورنا، وتصرفاتنا، وغالبًا ما تكون بعض تلك المعتقدات خاطئة أو وهمية وقد يضرون برفاهيتنا، وتقف عائقًا بيننا وبين تحقيق ما نريده.
لذا إذا أردنا أن نكون مسيطرين على أنفسنا ونكون في مركز التحكم والقيادة الذاتية، فنحن بحاجة إلى النظر إلى ما وراء العقل الواعي، وتغيير بعض البرامج التي لم نعد نستفيد منها. تتمثل إحدى طرق الوصول إلى اللاوعي في ممارسة التأمل الذاتي - بمعنى أننا بحاجة لأن نكون أكثر وعيًا واكتشافًا لأنفسنا وذلك من خلال مراقبة وتحليل ما نراه أو نشعر به بتجرد وموضوعية قدر الإمكان حتى نتمكن من فهم أنفسنا بشكل أفضل ومعرفة الكيفية التي نفكر بها وسبب الشعور الذي يراودنا والدوافع الكامنة وراء تصرفاتنا وردود أفعالنا. ومن هنا تكمن أهمية التأمل الذاتي الذي يمكنك من:
1- اكتساب وجهة نظر حول قيمك وأولوياتك ونقاط قوتك.
يمكنك التأمل الذاتي من اكتساب منظور حول ما يهمك حقًا، حيث يساعدك على اتخاذ قرارات أفضل بشأن السعي وراء الأهداف التي تناسب احتياجاتك واهتماماتك. كما يساعدك أيضًا على التعلم من اخفاقات الفشل، والأخطاء، ويمكنك من اكتساب الخبرات وتطوير المهارات.
2- يساعدك على التعامل والاستجابة لما يحدث لك بشكل أكثر فعالية.
عندما نفهم بشكل أفضل من نحن، ولماذا نقوم بالأشياء التي نقوم بها؛ يمكننا بسهولة إجراء التغييرات التي تسمح لنا بالتحرر من الارتباط العاطفي بالناس والأشياء والأحداث، وإزالة الحواجز الداخلية التي تمنعنا من تحقيق أهدافنا، والاستجابة للظروف بطرق أكثر فعالية.
3- يساعدك على فهم نفسك وتوسيع منظورك وفهمك للأشخاص والمواقف.
يساعدك التأمل الذاتي على أن تكون أكثر واقعية في التعرف على حقيقة من أنت. حيث يمكنك من فهم نفسك، ومتابعة أهدافك بطرق أكثر سهولة.
بشكل عام، يوفر لك التأمل الذاتي فرصة لخلق حياتك بوعي وفاعلية، بحيث تصبح أنت قبطان سفينتك، والمتحكم الوحيد في اختيار توجهك.
الأشخاص الذين يكافحون لتحقيق أهدافهم المرجوة؛ والذين يكافحون للتغلب على النكسات والشدائد دون أن يجدوا نتيجة مرضية غالبًا ما يعملون على إعاقة أنفسهم باللوم والشعور بالذنب أو العار أو التذمر وعدد كبير من الشكاوى التي تخفي الأعذار الكامنة التي تجعلهم عالقين وغير قادرين على المضي قدمًا نحو تحقيق أهدافهم، حيث ينعكس شعورهم بعدم الأمان في أصواتهم الانتقادية لأنفسهم وأفكارهم غير المفيدة؛ من خلال معتقداتهم المحدودة والخاطئة التي تجعلهم يختارون لعب دور الضحية بدلًا من قضاء الوقت في التفكير والتعلم من تجاربهم، بالتالي فإن لعب دور الضحية يجعلهم محاصرون في الشفقة على الذات، وغير قادرين على التحرر من هذه الحلقة المفرغة والغير مفيدة.
إذا كنت واحدًا من هؤلاء الأشخاص وتعاني من ذلك فإن بإمكانك التخلص والخروج من ما أنت فيه، وذلك من خلال البدء في ممارسة التأمل الذاتي وجعلها عادة يومية في حياتك.
كيف تعد نفسك للتأمل الذاتي.
التأمل الذاتي ليس بالأمر السهل حيث يتطلب جهدا كبيرًا من اليقظة الذهنية والمراقبة الذاتية والتجرد، وفحص حياتك ونفسك بشكل نقدي بما في ذلك جميع أخطائك ونقاط ضعفك وشعورك بانعدام الأمان وأسباب الإخفاقات التي حدث لك في الماضي.
بالنسبة لبعض الأشخاص، يعتبر هذا النوع من الفحص الذاتي كابوسًا مؤرقًا وشيء يحاولون الهروب منه وتجنب القيام به بأي ثمن. وهذا هو السبب الرئيسي لاستمرار معاناتهم وفشلهم. إنهم يكافحون لأنهم يخافون من فتح صندوق باندورا ومعرفة كفاءاتهم الذاتية. طريقة تعاملهم هذه تجلب لهم المزيد من التعقيدات التي لا يرغبون في التعامل معها أو حلها أو حتى مناقشتها.
لكي يصبح التأمل الذاتي جزءًا لا يتجزأ من حياتك، من المهم جدًا أن تفهم ما ينطوي عليه الأمر وأن تكون مستعدًا لإجراء التعديلات اللازمة في طريقة تفكيرك وتفاعلك مع العالم من حولك. ولكي تتمكن من ذلك اتبع ما يلي:
- قدر النمو قبل كل شيء. ما يعنيه هذا هو أنه يجب عليك إعطاء الأولوية لتحسين الذات والتنمية الشخصية على معظم القيم الأخرى. قد يتطلب هذا بالطبع أن تقوم بعملية تحويل القيمة، والتي ستساعدك على إنشاء تسلسل هرمي للقيم يسمح لك بالعيش بطريقة أفضل.
- يجب أن يكون لديك رغبة في تحسين نفسك وتحسين حياتك. يتطلب ذلك أن تكون مستعدًا وقادرًا على طرح أسئلة ثاقبة عن نفسك وعن الحياة وعن الأشخاص الذين تتفاعل معهم. علاوة على ذلك، يتطلب التأمل الذاتي أن تكون متيقظًا وفضوليًا ومنفتحًا على مجموعة واسعة من الاحتمالات الموجودة أمامك. وهذا بالطبع يتطلب أيضًا أن تكون منفتحًا لتغيير رأيك ومنظورك للأشياء التي ربما لم تشكك بها من قبل، كما يجب عليك أن تكون على استعداد للتكيف مع التغيرات التي قد تحدث لك، هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستمكنك من تحقيق تقدمًا كبيرًا في حياتك.
- يجب أن تكون منفتحًا وصادقًا مع نفسك. يتطلب الأمر أن تنظر بعمق في داخلك إلى جميع أجزاء نفسك دون استثناء حتى لو كانت هناك بعض الأجزاء القبيحة أو تلك التي تُشعرك بالعار تجاه نفسك، يجب عليك أن تُدرك بأن هذه هي الأجزاء التي ستؤدي إلى حياة أفضل طالما أنك مستعد وقادر على استكشافها بقصد اكتساب نمو ذي قيمة وتحسين ذاتي.
معظم الناس مقتنعون بأنهم على حق في معظم الأوقات، ولكن عندما يتم تكديس الأدلة ضدهم، فإنهم يتذمرون ويبدأون في تمثيل دور الضحية أو يقدمون الأعذار أو يلقون باللوم على الآخرين. طريقة التعامل هذه لن تسمح لأي شخص باكتساب قيمة من عملية التأمل الذاتي.
لذا يجب عليك بدلًا من ذلك التخلص من التفكير بعقلية الضحية والبدء في تحمل المسؤولية الكاملة عن ظروف حياتك. بهذه الطريقة فقط سوف يساعدك التأمل الذاتي في تغيير حياتك وبناء الحياة التي تريدها.
عملية التأمل الذاتي.
التأمل الذاتي هو عملية تتضمن قضاء بعض الوقت في مكان هادئ ومريح وممارسة اليقظة الذهنية والمراقبة الذاتية لنفسك والتواصل الداخلي مع ذاتك، والعمل على تحليل الأسباب والدوافع الكامنة وراء سلوكياتك وعواطفك وأفكارك، حيث ينطوي التأمل الذاتي على المراقبة والنظر إلى ما يحدث لك بموضوعية والتجرد من كل أفكارك، وتجاربك، ومشاعرك، وسؤال نفسك سلسلة من الأسئلة التي يمكن أن تساعدك على فهم أفضل لما حدث، ولماذا حدثت الأشياء بهذه الطريقة، وما يمكنك تعلمه من هذه التجارب لاتخاذ المزيد من الخيارات المثلى مستقبلًا.
هناك عدة طرق لممارسة التأمل الذاتي، حيث يمكنك على سبيل المثال، التفكير في يومك، في الاختيارات والقرارات التي تم اتخاذها بشأن أهدافك، في أفعالك وسلوكياتك وقيمك ومواقفك وتفاعلاتك مع ما يدور حولك. يمكنك أيضًا التفكير في أفكارك والعواطف المتعلقة بأحداث اليوم.
كما يمكنك ممارسة التأمل الذاتي من خلال التفكير في المعرفة والمهارات والخبرات التي اكتسبتها والفرص التي نتجت عنها وكيفية الاستفادة منها واستغلالها بشكل جيد.
ستشمل جلسة التأمل الذاتي النموذجية التفكير في أحداث اليوم وظروفه. سيشمل هذا بالطبع تقييم كيفية تعاملك مع تلك الأحداث والأشخاص والظروف وكيف كانت ردود أفعالك عليها، متبوعًا بما تعلمته منها، كما يمكنك التخطيط لاستخدام هذه الدروس واستغلالها بشكل أفضل.
يبدو أنها عملية مباشرة للغاية. ومع ذلك، فإن هناك طبقات مختلفة من التأمل الذاتي التي قد ترغب في استكشافها خلال جلسة نموذجية، لذا يمكنك البحث عن سلسلة من الأسئلة التي تدور حول مجالات التركيز المختلفة لوقت التأمل الذاتي. المهم هو أن تُكيف بنجاح أسئلة اليوم مع الأحداث اليومية التي حدثت؛ بما في ذلك الأهداف والغايات التي كنت تفكر فيها. سيتطلب هذا بالطبع بعض الممارسة، ولكن كلما مررت بجلسة التأمل الذاتي، كلما كانت الأسئلة الأفضل التي ستطرحها على نفسك عادةً متعلقة في سلوكياتك وطريقة تفكيرك وما هو الدافع وراء ردود أفعالك وغيرها من المجالات المتعلقة بحياتك، حيث يوجد مجموعة متنوعة من الأسئلة التي يمكن أن تطرحها على نفسك، فليس هناك أي حدود في عملية التأمل الذاتي سوى حدود خيالك.
ما ستجده هو أنه كلما زاد الوقت الذي تستغرقه في التأمل الذاتي، كلما تحسنت في طرح أسئلة أعمق ستساعدك على جمع رؤى مختلفة ووجهات نظر قيمة تنمي حدسك وتمنحك قاعدة صلبة تساعدك على إحراز تقدم كبير نحو أهدافك.
عندما تمارس التأمل الذاتي بطريقة صحيحة لن تكون عالقًا في اختلاق الأعذار أو تمثيل دور الضحية، أو التذمر من حياتك وإلقاء اللوم على الآخرين أو الظروف، لأنك ستكون استباقيًا ولديك نظرة ثاقبة وهذا بدوره يساعدك في إجراء التعديلات اللازمة لتحسين النتائج المرجوة في المستقبل.
بغض النظر عن طريقة التأمل الذاتي التي تريد القيام بها، من المهم جدًا تطوير روتين يومي أو أسبوعي منتظم. يمكنك مثلًا، إجراء جلسة تأمل ذاتي قصيرة يومية لمدة 10 دقائق أو أكثر خلال المساء أو في أي وقت تراه مناسبًا لك. بغض النظر عن الروتين الذي تختاره فإن من المهم أيضًا أن تستمر في الممارسة وتظل ثابتًا؛ لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستكسب بها قيمة من هذه العملية بمرور الوقت.
كيف تتجنب مشاكل الإفراط في التأمل الذاتي؟
عندما تعتاد على ممارسة التأمل الذاتي بشكل منتظم، فإنك ستجد بأنه ذات قيمة كبيرة وله العديد من الفوائد التي ساهمت في حصولك على مجموعة واسعة من الحلول التي ساعدتك في تحسين حياتك وظروفك بطرق سهلة وممتعة.
ولكن بقدر ما تكون عملية التأمل الذاتي رائعة ولها تأثير إيجابي على حياتك فإن من المهم جدًا عدم الانغماس فيها بشكل مفرط؛ لأن الانغماس المفرط في التأمل الذاتي يمكن أن يؤدي إلى شكل من أشكال الهروب من الواقع للخيال، حيث يجعلك تعيش أكثر في عقلك بدلًا من الواقع. يمكن أن يؤدي أيضًا إلى فقدان الدافع النفسي والرغبة في تحقيق أهدافك ومسؤولياتك.
يحدث هذا عادةً عندما تفي بفاعلية احتياجاتك ورغباتك في عقلك، مما يقنع عقلك الباطن بأنه لم يتبق شيء للقيام به أو تحقيقه. إنها تشبه نوعًا ما أحلام اليقظة حيث تنغمس في أحلامك وتعيش في العالم الداخلي الذي أنشأته لنفسك وتنسى العالم الخارجي من حولك. وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان الرغبة نتيجة عدم وجود دافع كافٍ لاتخاذ الإجراءات الضرورية التي تعرف أنك بحاجة إلى اتخاذها في العالم الحقيقي لتحقيق أهدافك على أرض الواقع.
لتجنب الوقوع في هذا الفخ، من المهم جدًا أن تستخدم وقت التأمل الذاتي بحكمة بطرق تساعدك على تمهيد طريق للمضي قدمًا نحو ما تريده. بعبارة أخرى، يجب أن تستخدم وقت التأمل الذاتي ليس فقط للتفكير في الأحداث والتجارب والدروس المستفادة منها ولكن أيضًا لتجميع خطة عمل من شأنها أن تساعدك على تحسين حياتك مستقبلًا.
إن الالتزام الثابت تجاه إجراء تغييرات استباقية باستمرار كل يوم من خلال التأمل الذاتي سوف يولد لديك الشعور بالمعنى ويساعدك بشكل كبير جداً على التقدم والازدهار أكثر.