التفكير الزائد
التفكير الزائد |
هل تقضي أغلب وقتك وأنت غارق في التفكير بنفس الفكرة بشكل متكرر، أو القلق بشأن ما يمكن أن يحدث في المستقبل؟ هل تجد صعوبة في النوم بسبب الأفكار التي تدور في ذهنك؟ هل تعيد تكرار المواقف السابقة مرارًا وتكرارًا، إذا كنت كذلك فهذا يدل على أنك تعاني من التفكير الزائد.
الإفراط في التفكير وتخيل جميع السيناريوهات السيئة أمرًا مرهقًا وعادة سيئة يجب التخلص منها لأنها تستنزف طاقتك الداخلية وتؤثر سلباً على صحتك العقلية وعلى حالتك النفسية أيضًا.
في هذا المقال سنتحدث عن أضرار التفكير الزائد، وعلاماته، وكيف يمكن التخلص منه؟
التفكير الزائد في علم النفس
تعتبر عملية التفكير واحدة من أعظم القدرات البشرية التي تمكننا من إدراك الواقع وتقييم الظروف الحالية واتخاذ القرارات الصحيحة، والحصول على منظور حول ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في المستقبل. ولكن وبالرغم من ذلك، فإن الإفراط في عملية التفكير قد تصبح مرهقة جداً وذلك عندما تحدث بشكل دائم ومستمر. يطلق على هذه العملية بعملية التفكير الزائد؛ حيث تتميز بالعديد من الأفكار حول شيء ما لفترة طويلة من الزمن.
التفكير الزائد ليس مجرد مصدر للإزعاج فقط؛ فقد أثبت العلم أن الإفراط في التفكير يمكن أن يؤثر سلبًا على صحتك بشكل عام.
بغض النظر عن ما إذا كنت تركز في تفكيرك على الماضي أو تهتم بالمستقبل، فإن أنماط التفكير الزائد يمكن أن تؤثر سلبًا على صحتك العقلية والجسدية.
يمكن للتفكير الزائد أيضًا أن يؤثر بشكل سلبي على الطريقة التي تعيش بها حياتك وعلى كيفية تجربتك واتخاذ قراراتك، وطريقة تفاعلك مع ما يحيط بك، بالإضافة إلى ذلك، فإن الإفراط في التفكير يمنعك من الاستمتاع باللحظة الحالية ويستنزف الطاقة التي تحتاجها للتعامل مع ضغوطات الحياة اليومية.
تشير الدراسات إلى أن اجترار الأحداث المسببة للتوتر يمكن أن يؤدي بمرور الوقت إلى القلق والاكتئاب. من وجهة نظر الصحة العقلية، فإن القلق يؤثر على قدرتك على التعامل مع الضغوطات اليومية، كما يؤدي الاكتئاب إلى الحزن والوحدة والشعور بالفراغ.
يصاحب القلق والاكتئاب أعراض جسدية منها الشعور بالتعب، والصداع، والغثيان، مع وجود صعوبة في التركيز، ومشاكل في النوم، وتغيرات في الشهية.
أعراض التفكير الزائد والوسواس
نحن جميعاً تراودنا العديد من الأفكار الإيجابية والسلبية من وقت لآخر، ولكن الشيء المهم الذي يجب علينا أن ندركه هو معرفة ما إذا كنا نفرط في التفكير أم لا، كيف؟
التفكير الطبيعي هو التفكير الذي تحاول من خلاله حل مشكلاتك؛ بمعنى أنك تقوم بطرح العديد من الأسئلة على نفسك بهدف إيجاد إجابة، والوصول إلى حل.
أما الإفراط في التفكير هو التفكير في المخاوف والاحتمالات دون أن يكون لديك نية حقيقية لحل أي مشكلة. في الواقع، قد لا توجد مشكلة أو مشكلة محتملة بالفعل.
قد يجد البعض صعوبة في التفريق بين التأمل الذاتي والتفكير الزائد؛ بالرغم من أن هناك فرق كبير بينهما، التأمل الذاتي هو عملية فضوليّة داخليًا متجذرة في هدف أسمى- سواء كان ذلك للنمو كشخص أو اكتساب منظور جديد.
بينما التفكير الزائد هو أن تكون مهووسًا بشيء لا تحبه في نفسك ولا يمكنك تغييره أو ليس لديك أي نية لتحسينه أو التخلص منه، فإن هذا ليس انعكاسًا ذاتيًا بل تفكير مفرط.
فيما يلي مجموعة من العلامات التي تدل على أنك تعاني من التفكير الزائد وهي:
- نقد الذات من خلال استرجاع اللحظات المحرجة والتفكير المستمر بأفعالك وطريقة كلامك والخوف من أن تبدو سيئًا.
- القلق بشأن مستقبلك والتردد في اتخاذ قراراتك، أو الخوف من اتخاذ القرار الخاطئ، أو المماطلة في ما يجب عليك فعله.
- التحليل المفرط لما يقصده الآخرون بكلامهم عندما يتحدثون معك وتحليل تصرفاتهم ونظرتهم إليك.
- السعي نحو المثالية والقلق بشأن مكانتك الاجتماعية، أو مقارنة نفسك بالآخرين من حولك.
- إعادة قراءة الرسائل النصية أكثر من مرة وتحليلها بهدف معرفة المعنى الحقيقي للرسالة.
- تحاسب نفسك وتفكر بطريقة "ماذا لو" أو "ينبغي" وكأن في ذهنك هيئة تحقيق تَحكُم على حياتك وتُقييم أفعالك لمحاولة جعلها مرغوبة.
- الأرق وقلة النوم، بسبب القلق الدائم واجترار الأفكار.
- الشعور بالندم وتأنيب نفسك بسبب أوجه القصور المتصورة لديك.
- لست صادقًا مع نفسك بسبب الانشغال بالعالم الخارجي وعدم قدرتك على التركيز الداخلي لذاتك.
- التفكير المفرط بشخص ما، أو الإنشغال بالآخرين ومحاولة معرفة ما يقومون به أوما يريدونه ويفكرون فيه.
علاج التفكير الزائد
علاج التفكير الزائد والتخلص منه يعتمد بشكل رئيسي على زيادة الوعي، وذلك من خلال وضع حد للتحليل المفرط، والتخيلات الوهمية والتخمين السلبي، والتنبؤات الكارثية، واتباع تقنيات العلاج المختلفة وخطواته التي ستمكنك من تقييد أنماط التفكير السلبي الزائد لديك وتساعدك على التخلص منه.
عندما تجد نفسك تفرط في التفكير وتتردد في اتخاذ قراراتك، أو تتخيل أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث لك، يمكنك مقاومة ذلك باستخدام النصائح التالية:
1- لا تقلق بشأن الأمور الصغيرة.
من بين الأحداث التي يمكن أن تصادفها والقرارات التي تتخذها فإن الغالبية منها لا تستحق أن تقلق بشأنها كثيرًا وتجعلها تستنزف طاقتك الداخلية وقوة عقلك من أجلها.
تبسيط الحياة هي إحدى خطوات الوصول إلى السلام الداخلي وتحقيق السعادة والهدوء النفسي.
لكي تتخلص من التفكير الزائد يجب عليك أن تتوقف عن السعي نحو المثالية وتحقيق الكمال ومحاولة السيطرة على كل أمور حياتك، ركز فقط على الأمور المهمة والقرارات المصيرية التي تتطلب تحليلًا دقيقًا، يجب أن تضع في اعتبارك أولوياتك وأن تعرف ما تريده حقًا. يمكن أن يساعدك هذا على تحديد ومعرفة الوقت المناسب لممارسة طبيعتك الفضولية وسعيك للكمال، ومتى لا يتطلب الأمر منك كل ذلك التفكير والتدقيق أو الشك.
2- اجمع بين التحليل والتفكير النقدي والحدس.
من السهل جداً الوقوع في حلقة من الهوس بالاحتمالات والمزالق عند التفكير في اتخاذ قرارًا مصيريًا يحدد مسار حياتك، ولكن للخروج من تلك الحلقة المفرغة يجب عليك أن تعتمد على النتائج التي توصلت إليها من خلال طرح أسئلتك وإجراء بحثك وجمع الحقائق المتعلقة بذلك القرار، ولكن لا تخف من الوثوق بحدسك لمساعدتك في اتخاذ القرار النهائي، وتذكّر بأن حل المشكلات المنطقي ليس دائمًا حلًا ينطبق على الجميع، فغالباً ما يكون اتباع الحدس أكثر دقة بكثير من البحث والتحليل.
حتى وإن وصلت إلى طريق مسدود وشعرت بأن كلا المنهجين غير مضمون، فإنه من المهم جدًا عدم الوقوف طويلاً والتحليل بشكل مبالغ فيه، يجب أن تحسم أمرك. القرارات السريعة تزيد من قدرات المعالجة الضمنية لعقلك ويمكن أن تعطل اجترار الأفكار لديك.
3- حدد موعدًا نهائيًا لقرارك، أو قم بتأجيله، أو خذ استراحة وتوقف عن مناقشته.
كلما سمحت لنفسك بالتفكير أكثر في قرار ما، زادت احتمالية أن تبالغ في تحليله.
عندما يحين وقت حل مشكلة ما، حدد موعدًا نهائيًا لاتخاذ قرارك النهائي فيها.
الشيء المهم الذي يجب عليك التركيز عليه هو أن تعطي القرارات المصيرية مزيدًا من الوقت، حاول أن تأخذ فترات راحة لإلهاء نفسك إذا أصبحت عملية اتخاذ القرار صعبة.
4- ركز أكثر على ما يمكنك التحكم فيه وتوقف عن القلق بشأن الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها.
بمجرد أن تجد نفسك غارقًا بالتفكير في شيء ما، اسأل نفسك عما إذا كان من الممكن التحكم فيه وتغيير نتائجه، إذا كان كذلك فحاول أن تجعل كل أفكارك بناءة وإيجابية- نحو اتخاذ قرار أو إيجاد حل. أما إذا كان الأمر خارج عن نطاق سيطرتك ولا يمكنك التحكم فيه فحاول أن تتوقف عن القلق بشأنه.
إذا كان نمط تفكيرك سلبي، فمن المحتمل أنك تفكر في شيء خارج عن نطاق سيطرتك - سواء كان ذلك الشيء قد حدث بالفعل، أو لم يحدث بعد، أو ببساطة لا يمكن تغييره.
من المهم جدًا التوقف عن هذه الأفكار السلبية وذلك من خلال إشغال نفسك بأشياء ممتعة تساعدك على التخلص منها.
5- ركز على ذاتك وتوقف عن مراقبة الآخرين من حولك.
حرر ذاتك من الحكم على الآخرين ولوم الذات والأفكار السلبية. كن صبورًا وانتظر حدوث الأمور بهدوء.
لا تحاول قراءة عقول الآخرين وتخمين ما يفكروا به، تجنب قراءة لغة الجسد، وتحليل الكلمات التي يقولها الآخرون من حولك عندما تتفاعل معهم حتى لا تتعارض مع توقعاتك وتسبب لك الإحباط.