الدور الذي يلعبه العقل الباطن في حياتنا
كيف يعمل العقل اللاواعي |
ينقسم عقل الإنسان إلى قسمين رئيسيين هما العقل الواعي، والعقل الباطن ( اللاواعي )العقل الواعي يفكر بألفين خلية أثناء أداء وظائفه ويعمل في حالة من اليقظة فقط، بينما يفكر العقل الباطن بأربعة ملايين خلية ويعمل بشكل دائم ومستمر دون توقف، حيث يتحكم بكل ما فيك من الأعضاء والأجهزة اللاإرادية الموجودة في جسمك إلى سلوكياتك ومعتقداتك وقناعاتك الذهنية التي تشكل النظام الداخلي لديك.
في هذا المقال؛ سنتحدث عن كيفية عمل العقل الباطن ووظائفه والدور الذي يقوم به.
كيف يعمل العقل الباطن
الطريقة التي يعمل بها العقل الباطن تشبه إلى حد ما آلية عمل برامج الكمبيوتر.
إذا أراد الشخص مثلًا تنفيذ مهمة أو شيء معين على جهاز الكمبيوتر فهو بحاجة إلى برنامج خاص بتلك المهمة.
عندما يقوم جهاز الكمبيوتر بتشغيل تلك المهمة، فإن هناك دائمًا العشرات إن لم يكن المئات من المهام الصغيرة التي تعمل في الخلفية للحفاظ على كل شيء في الوضع الأمثل. كل جيجا بايت من الذاكرة التي يتم تشغيلها في ذاكرة الوصول العشوائي للكمبيوتر هناك غيغابايت أو تيرابايت من الذاكرة على القرص الثابت المخزن للاستخدام في المستقبل.
الذكاء الاصطناعي مثال آخر على ذلك، فأي جهاز كمبيوتر معقد بما يكفي ولديه ذكاء اصطناعي يكون لديه آلاف البرامج التي تعمل في الخلفية التي يتجاهلها الذكاء الاصطناعي نفسه؛ لأنها مهام إدارة ذات أولوية منخفضة. تعتبر الإجراءات التي تعمل في الخلفية والتي تدعم الأداء السلس للذكاء الاصطناعي بمثابة "العقل الباطن" للذكاء الاصطناعي.
وبقياس ذلك على العقل الباطن، فإن المبرمج هو العقل الواعي الذي يدرك الواقع من خلال الحواس الخمس(المدخلات)، حيث يقوم العقل الواعي بإدخال تلك البيانات إلى العقل الباطن فيقوم بـ أرشفتها وتخزينها بشكل دائم فيتكون من خلالها النظام الداخلي الذي يؤثر بشكل مباشر في سلوكيات الشخص ومعتقداته وقناعاته الذهنية (المخرجات).
إن 95% من حياتنا نابعة من برامج الحياة التي تم برمجتنا بها مسبقًا في مرحلة الطفولة، أول سبع سنوات من حياة كل إنسان عبارة عن تحميل للتنويم المغناطيسي.
عندما يتم وضع أسلاك حول رأس الشخص لقراءة التخطيط الدماغي ونشاط الدماغ فإن الطفل أقل من 7 سنوات يكون لديه اهتزاز أقل من الوعي يسمى (ثيتا).
ثيتا هي الخيال التي يستخدمها الطفل عندما يمارس اللعب مع الأطفال الأخرين من حوله حيث يلعبون حفلات الشاي مع كعكات الطين ويكون الأمر بالنسبة لهم حقيقي.
ثيتا هي أيضًا التنويم المغناطيسي. الفكرة هي كالتالي، قبل أن تصبح واعيًا، لو لم يكن لديك أي برامج فما الذي ستعييه؟ وما هي البرامج التي تحتاجها لتعيش على ظهر هذا الكوكب؟ وكيف يمكنك الحصول عليها؟
الحصول على تلك البرامج يتم في أول 7 سنوات من مرحلة الطفولة وذلك من خلال مشاهدة العالم الخارجي المحيط والتأثر به، فأنت تشاهد والديك وإخوانك والمجتمع من حولك، فيزيد بذلك إدراكك وينمو وعيك.
لفهم الكيفية التي يعمل بها العقل الباطن يمكنك أن تتذكر تجربتك عندما بدأت في تعلم قيادة السيارة، لقد كان اهتمامك الوحيد هو أن تتعلم القيادة. حيث كان كل ما تقوم به من حركات تحت تأثير عقلك الواعي، كالتحكم في عجلة القيادة، والتعامل مع الاتجاه المستقيم والضغط على دواسة البنزين والفرامل وغيرها. ولكن بعد أيام أو ربما أسابيع قليلة من التعلم، تكون قد أصبحت متمكنًا من ممارسة القيادة بمهارة عالية وأداء جيد، حيث يمكنك ترك عجلة القيادة لوقت قصير ولا تزال السيارة تحت سيطرتك، أو ربما يقل تركيزك وتفكر في شيء آخر ولا تزال مسيطر عليها أنت؛ فقد أصبحت حركاتك تلقائية وتقود السيارة بطريقة أوتوماتيكية وأصبح من السهل عليك قيادة السيارة والتحدث في الهاتف، أو تشغيل الموسيقى، أو محادثة من معك دون أن يعيقك ذلك عن القيادة. هل سألت نفسك كيف حدث هذا؟
الإجابة هي أنه بمجرد أن ندرب عقلنا الواعي على ممارسة أي عمل، فإن تكرار هذا العمل يرسل الإشارات والمهارات والمعرفة إلى العقل الباطن تدريجيًا فيقوم العقل الباطن بتخزينها وأرشفتها وبناء مسارات عصبية جديدة خاصة بها. حيث تستغرق هذه العملية وقتًا. كذلك الأمر عندما يحفظ الشخص النصوص الدينية، أو القصائد الشعرية وغيرها من خلال قراءتها بشكل متكرر.
العقل الواعي هو الجزء المسؤول عن تفكيرنا وتصرفاتنا عندما نكون في حالة اليقظة.
أما العقل الباطن فإنه يبقى في حالة سبات عندما يحصل على معلومات جديدة من العقل الواعي. يعمل عقلك الباطن أيضًا في وقت واحد عندما تعمل بوعي ولكن الاختلاف هو أنك لا تلاحظ العمل الذي يقوم به العقل الباطن.
على سبيل المثال، أنت تتنفس الآن لكنك لا تولي اهتمامًا لهذا الفعل، لأن عملية التنفس لديك يتحكم فيها عقلك الباطن، ولكن عندما ذكّرتك بتنفسك وأنت تقرأ هذه السطور، أصبح تركيزك ينصب على هذا الفعل. لذا إذا قلت لك خذ نفسًا طويلًا، فإن عملية التنفس لديك الآن يتحكم فيها العقل الواعي.
ربما تكون قد رأيت المدخنين، والسكارى، والناس الذين ينغمسون في العادات السيئة يحاولون التخفيف أو التخلص من تلك العادات السيئة ولكنهم يجدون صعوبة كبيرة؛ والسبب في ذلك هو أنهم بطريقة ما كانوا يمارسون تلك السلوكيات السيئة ويعتقدون بأنها تجلب لهم المتعة، ومن خلال هذا الاعتقاد تم برمجة عقولهم الباطنية على ذلك.
إن تكرار أي أفكار، أو سلوكيات، أو أنشطة بشكل دائم ومستمر يؤدي إلى إعادة برمجة العقل الباطن بشكل غير مباشر. إذا أراد أولئك الأشخاص ترك عاداتهم السيئة، فإن عليهم إعادة برمجة عقولهم الباطنية من خلال إرسال رسائل قوية إلى العقل الباطن عن طريق العقل الواعي فيما يتعلق بالتأثير السيئ لتلك العادات السلبية.
قوة العقل الباطن أكبر من أن توصف، إذا كنت قادرًا على تدريب عقلك الباطن، فإن بإمكانك تحقيق ما تريد.
وظائف العقل الباطن
يُعتبر العقل الباطن مستودع لغرائز الإنسان وأفكاره، ومشاعره، وذكرياته، وعواطفه، فهو بمثابة نظام داخلي يحتوي على كل نتائج التجارب والمواقف التي يمر بها الشخص والسمات التي تتألف منها الشخصية، بعضها قد يعيه الشخص كجزء من تكوينه، والبعض الآخر يبقى بمنأى كلي عن وعيه وإدراكه.
فيما يلي أهم فوائد العقل الباطن والوظائف التي يقوم بها وهي:
1- تخزين واسترجاع البيانات
العقل الباطن هو بمثابة الذاكرة الداخلية للإنسان، قدرتها غير محدودة عمليا، حيث يقوم بأرشفة كل ما يحدث للشخص وتخزينه بشكل دائم. وظيفة العقل الباطن هي تخزين واسترجاع البيانات، وتحديد السمات الحقيقية للشخصية، والتأكد من أنك تستجيب بنفس الطريقة التي تمت برمجته بها، حيث يجعل كل ما تقوله وتفعله يتناسب مع نظامك الداخلي الذي يتفق مع مفهومك لذاتك. وهذا هو "برنامجك الرئيسي".
2- الخادم المطلق
يعمل العقل الباطن وفق الأهداف التي حددها العقل الواعي، فهو لا يهتم بطبيعة هذه الأهداف من حيث صحتها أو خطئها، إيجابية كانت أو سلبية؛ لأن العقل الباطن لا يفكر أو يستدرك بشكل مستقل، هو فقط يطيع الأوامر التي يتلقاها من العقل الواعي. هو خادم لصاحبه يبرمجه على الخير أو الشر يُطيعه، فهو المُنفذ الذي يقوم بتحقيق ما أقره العقل الواعي.
3- المحافظة على التوازن ومراقبة البيانات الحسية اللاواعية
يمتلك العقل الباطن ما يسمى بدافع التماثل الساكن، حيث يقوم بإدارة الأجهزة والأعضاء اللاإرادية ومراقبة البيانات الحسية اللاواعية مثل معدل ضربات القلب، والكورتيزول، وعملية التنفس بانتظام، والمحافظة على درجة حرارة الجسم عند 98.6 درجة فهرنهايت.
من خلال جهازك العصبي اللاإرادي، فإن عقلك الباطن يحافظ على التوازن بين مئات المواد الكيميائية في بلايين الخلايا الموجودة في جسمك، حيث تعمل جميع أعضاء الجسم وأجهزته اللاإرادية في وئام تام.
يمارس عقلك الباطن أيضًا التوازن في عالمك العقلي، حيث يجعلك تفكر وتتصرف بطريقة تتفق مع ما فعلته وقلته في الماضي.
هناك العديد من الوظائف الأخرى التي يقوم بها العقل الباطن منها:
- التصور والخيال (أو ما يُعرف بمعالجة اللاوعي).
- الحدس (أو ما يسمى بالوعي الباطن).
- الحفاظ على الانفعالية (إضفاء "المعنى" العاطفي على الذكريات).
- عمل روابط جديدة بين المعلومات والذكريات ذات الصلة.
- ترميز الخبرات الجديدة أو إنشاء نماذج جديدة إذا لزم الأمر.
- التكيف والتعرض النقابي وجعل ما هو غير مألوف يصبح مألوفًا.
- إجراء عمليات محاكاة بديلة لتجارب الحياة الواقعية والتنبؤ بالتهديدات والتهرب من الخطر.
4- دفعك للبقاء في منطقة الراحة
العقل الباطن مصمم للحفاظ على سلامتك، حيث يقوم بتخزين كل عاداتك في التفكير والعمل، وحفظ جميع مناطق الراحة والأمان الخاصة بك ومحاولة إبقائك فيها.
يمكنك أن تشعر بأن عقلك الباطن يسحبك نحو منطقة الراحة في كل مرة تحاول فيها القيام بشيء جديد، حتى التفكير في فعل شيء مختلف عما اعتدت عليه سابقًا سيجعلك تشعر بالتوتر وعدم الارتياح.
كلما حاولت أن تفعل شيء جديد أو عمل مختلف يتعارض مع أي من أنماط السلوك الراسخة لديك؛ فإن عقلك الباطن سيولد لديك شعورًا عاطفيًا وجسديًا غير مريح.
الشيء المهم هنا هو أن تُدرك تأثير العقل الباطن على حياتك، وتحاول دائمًا دفع نفسك خارج منطقة الراحة قبل أن تتحول تلك المنطقة التي ترتاح فيها إلى شبق. يجب أن تعرف بأن التراخي هو العدو الأكبر للإبداع وتحقيق النجاح.
قد يكون الخروج من منطقة الراحة الخاصة بك لتطوير عادات جديدة أمرًا صعبًا، ولكن تذكر بأنك لن تنمو ولن تحقق شيئًا ما لم تخرج من منطقة الراحة الخاصة بك. يجب أن تكون على استعداد للشعور بالحرج وعدم الارتياح للقيام بأشياء جديدة، يجب أن تبدأ في اكتشاف المعتقدات المُعيقة لديك، وتستمر في المحاولة حتى تُطور منطقة راحة جديدة بمستوى أعلى من الكفاءة.