المغالطات في حياتنا اليومية
المغالطات المنطقية |
المغالطة في الفلسفة هي الحجة التي قد تبدو منطقية ومعقولة، لكنها خاطئة في الأساس.
في عالمنا الحديث المتمحور حول الإعلام، نحن محاطون بالحجج التي تهدف إلى إقناعنا بتبني استنتاجاتهم. السياسيون، ومجموعات المناصرة، وأصدقاء وسائل التواصل الاجتماعي، والمناقشات عبر الإنترنت في المنتديات، والمواقع والقنوات الإخبارية، كلهم يناقشون مواقفهم بحجج جيدة إلى حد ما. لذلك من الضروري أن نكون قادرين على التمييز بين الحجج الجيدة والسيئة، حتى نتمكن من رفض المغالطات والاستنتاجات غير المنطقية أو التي لا تستند إلى أدلة كافية.
تعريف المغالطة
المغالطة هي استخدام الاستدلال والتفكير غير الصحيح أو التحركات والأفعال الخاطئة في التعليل وبناء الحجة والتي قد تبدو أقوى مما هي عليه في الواقع إذا لم يتم رصدها.
بعبارة أخرى، يمكننا القول بأن المغالطة المنطقية هي شكل من أشكال الاستدلال الخطأ الذي يُبنى على أدلة وحجج غير سليمة ويؤدي إلى نتائج خطأ، أو قد تكون الأدلة صحيحة والنتائج المترتبة عليها مغلوطة، وتكمن خطورتها في كونها تبدو سليمة، وهي شائعة جدًا نقع فيها بسهولة.
يتم ارتكاب بعض المغالطات عمدًا للتلاعب أو الإقناع عن طريق الخداع. وقد يرتكب البعض الآخر عن غير قصد بسبب القيود البشرية مثل الإهمال أو التحيزات المعرفية أو الاجتماعية أو الجهل الواضح.
هناك نوعان رئيسيان من المغالطات هما:
- المغالطات الصورية: هي الحجج التي تحتوي على أخطاء غير صحيحة في البنية أو النموذج أو السياق. يمكن التعبير عن المغالطة الصورية بدقة في نظام منطقي معياري.
- المغالطات غير الصورية: هي خطأ في شكل أو محتوى أو سياق الحجة. وتظهر بسبب خطأ في الاستدلال والتفكير بخلاف الشكل المنطقي المناسب.
أنواع المغالطات المنطقية
تنقسم المغالطات المنطقية إلى قسمين:
المغالطات الصورية
المغالطة الصورية هي التي تقع بشكل الاستدلال وليس بمضمونه، وتحدث نتيجة خلل في صورة الحجة، فتبدو لنا صوريًا أنها صحيحة، ومن أشهر أنواعها:
- مغالطة الفصل: تحدث هذه المغالطة عندما لا يتم التفريق بين الفصل القوي والفصل الضعيف، فالفصل القوي يعني أنه حتمًا لا يجتمع أمرًا مع بعضهما (إما أن تكون ناجحًا أو راسبًا، فلا يمكنك أن تكون كلاهما)، وأما الفصل الضعيف ففيه يجوز اجتماع أمرين مع بعضهما (أن تكون أبًا ولاعب كرة قدم معًا).
- مغالطة إثبات التالي. العبارة الشرطية تضع شرطًا (يسمى المقدم) ثم تمضي في (التالي) لتتحدث عما يلزم عن هذا الشرط، وفي مغالطة إثبات التالي يتم الانتقال بشكل معاكس، من إثبات التالي إلى إثبات المقدم.
- مثال على ذلك
- قضية صحيحة: إذا كنت في الصف الثالث الثانوي الأدبي فأنت تدرس مادة الفلسفة.
- مغالطة منطقية: أنت تدرس مادة الفلسفة إذن أنت في الصف الثالث الثانوي الأدبي. وهنا نجد أننا أثبتنا التالي (أنت تدرس الفلسفة) وتوصلنا لـ نتيجة خطأ، ولو أننا أثبتنا المقدمة لكنا توصلنا إلى نتيجة صحيحة، كالتالي: أنت في الصف الثالث الثانوي الأدبي إذن أنت تدرس الفلسفة. وهنا أثبتنا المقدمة (أنت في الصف الثالث الثانوي الأدبي) وتوصلنا إلى نتيجة صحيحة.
- مغالطة إنكار المقدم: قلنا أن العبارة الشرطية هي التي تضع شرطًا (ويسمى بالمقدم) ثم تمضي في (التالي)، لتتحدث عما سيكون عليه الحال إذا ما تحقق هذا الشرط، أي ما يلزم عنه، وفي هذه المغالطة تُقرِّر المقدمة الأولى عبارة شرطية ثم تقوم المقدمة الثانية (التالي) بإنكار مقدم هذه العبارة الشرطية (أي إنكار اللازم الذي بدونه لن يتحقق الشرط)، وصفوة القول أن المرء يقع فيها أذا قام في قضية شرطية بنفي المقدم واستنتج من ذلك نفي التالي، كما في المثال الآتي:
- قضية صحيحة: إذا كنت في دمشق إذن أنت في سورية.
- مغالطة منطقية: أنت لست في دمشق إذن أنت لست في سورية. وهنا قمنا بإنكار المقدم (وهو أنت في دمشق) وتوصلنا لنتيجة خاطئة، والصح كان إنكار التالي (أنت في سورية) للتوصل إلى نتيجة صحيحة، فلو قلنا: أنت لست في سورية إذن أنت لست في دمشق، لكانت القضية صحيحة.
المغالطات الغير صورية
المغالطة غير الصورية تقع في محتوى الحجة أو مضمونها وليس صورتها أو شكلها، وغالبًا ما تحدث بسبب الرغبة في تظليل الخصم، ولها أنواع عديدة، أشهرها:
- مغالطة الحجة الشخصية: ويقصد بها الطعن في شخصية القائل بدلًا عن تفنيد مناقشة قوله بالحجج والأدلة المنطقية، وهي قائمة على أساس رفض أو قبول تصور ما، بناءً على موقفنا من قائل هذا التصور وليس على قوة أو ضعف الحجة التي قدمها، ومهما يكن من أمر فإن ما يحدد قيمة صدق العبارة، وما يحدد صواب الحجة، هو أمر لا علاقة له بقائل العبارة أو الحجة، فـ عبارة '5+5=10' هي عبارة صحيحة سواء كان قائلها عدوًا أو صديقًا أو حتى مجنونًا، وإن ما يحدد قيمة الصدق في عبارة "السماء تمطر" هو ببساطة الطقس المحلي وهو قائم بحد ذاته ومستقل تمامًا عن شخصية القائل.
- مغالطة رجل القش: هي تلك المغالطة العتيدة التي يعتمد فيها المرء على مهاجمة نظرية أخرى غير حصينة بدلًا من نظرية الخصم الحقيقة، وذلك بتغيير خصائصها ببترها عن سياقها الحقيقي أو بإزاحتها إلى ركن آخر، ويشبه هذا الجهد العقلي العقيم، سواء حسُنت النية أو ساءت، أن يكون رميًا لرجل من القش بدلًا من الخصم الحقيقي، ومن هنا أتت تسميتها.
- مغالطة التعميم السريع: أي استنتاج خصائص فئة كلية من خصائص عينة قليلة من هذه الفئة، أو استخلاص نتيجة حول "جميع" الأعضاء في المجموعة من خلال ملاحظات عن "بعض" أعضاء هذه المجموعة، وهي من أكثر المغالطات شيوعًا، وغالبًا ما تتضمن مجموعة من التحيزات العنصرية والفكرية. وكمثال عليها: جلست إلى جانب هذه الصديقة ثلاث مرات وتبين لي في كل مرة أن ذوقنا متفق في كل شيء، إذن هذه أصلح امرأة في العالم لأن تكون زوجة لي.
- مغالطة المصادرة على المطلوب: وهي التسليم بالمسألة المراد البرهنة عليها من أجل البرهنة عليها، وذلك بأن تفترض صحة القضية التي تريد برهنتها وتضعها في إحدى مقدمات الاستدلال سواء بشكل صريح أو ضمني، وأنت بذلك تجعل النتيجة مقدمة، وتجعل المشكلة حلًا. مثال عليها: أي شيء أقل كثافة من الماء سوف يطفو فوقه؛ لإن مثل هذه الأجسام لا تغطس في الماء، (نلاحظ بأن النتيجة موجودة في المقدمة ولم تعطنا أي شيء جديد ولم تفسر لنا سبب طفو الأجسام).
- مغالطة الشفقة: المقصود هنا هو إثارة المشاعر بدلًا عن تقديم حجة منطقية سليمة، فتحل قوة استدرار مشاعر الشفقة محل قوة الحجة المقدَّمة، ولا بد أن نعرف أن العطف شعور يتحلى به كل ذي أصل كريم، ولا بأس قط باستدرار العطف والشفقة إذا استدعى السياق ذلك، إنما يكمن الخطأ في أن تأخذ الشفقة مأخذ الحجة. مثال عليها: لا بد أن الحل الذي توصلت إليه لهذه المسألة الرياضية هو حل صحيح، فقد توصلت إليه بعد عناء خمس ساعات من اعتصار الفكر والتركيز المتواصل (إن الفكرة الخطأ هي فكرة خطأ سواء كانت نتاجًا لخمس دقائق من التفكير أم لخمس عقود من الزمن، وإن الزمن الذي أُنفق والجهد الذي بُذل في فكرة لا يُنبئُنا بشيء عن صوابها أو خطئها، إنه ببساطة خارج عن الموضوع).