الاحتراق النفسي الوظيفي
متلازمة الاحتراق النفسي |
على مدى العقود العديدة الماضية، كان مفهوم الاحتراق النفسي محل نقاش بين المتخصصين في مجال الصحة النفسية. في عام 2019، قدمت منظمة الصحة العالمية (WHO) توضيحًا من خلال تصنيف الاحتراق النفسي على أنه متلازمة ناتجة عن ضغوط مزمنة في مكان العمل لم تتم إدارتها بنجاح.
إذا كان التوتر المستمر يجعلك تشعر بالعجز والإحباط والاستنزاف التام، فقد تكون في طريقك إلى الاحتراق النفسي.
في هذا المقال، سنتحدث عن الاحتراق النفسي، وعن أعراضه، وأسبابه، وعن الكيفية التي يمكنك من خلالها التخلص منه، واستعادة التوازن النفسي والشعور بالإيجابية والأمل مرة أخرى.
الاحتراق النفسي
الاحتراق النفسي هو حالة من الإرهاق الجسدي والعقلي والعاطفي الناجم عن التعرض للإجهاد المفرط لفترات طويلة جدًا. يحدث ذلك عندما تشعر بالإرهاق والاستنزاف العاطفي وعدم القدرة على تلبية المطالب المستمرة. مع استمرار التوتر، تبدأ في فقدان الاهتمام والحافز أو الدافع للقيام بالمهام اليومية.
يقلل الاحتراق النفسي من الإنتاجية ويستنزف طاقتك، مما يجعلك تشعر بالعجز المتزايد واليأس والاستياء. في النهاية، قد تشعر أنه ليس لديك المزيد لتقدمه.
تمتد الآثار السلبية للاحتراق النفسي إلى كل مجال من مجالات الحياة - بما في ذلك منزلك وعملك وحياتك الاجتماعية. يمكن أن يتسبب الاحتراق النفسي أيضًا في حدوث تغييرات طويلة الأمد في جسمك تجعلك عرضة للإصابة بأمراض مثل نزلات البرد والإنفلونزا. لذا من المهم جدًا التعامل مع الاحتراق النفسي في أسرع وقت ممكن.
أعراض متلازمة الاحتراق النفسي
الاحتراق النفسي عملية تدريجية. لا يحدث بين عشية وضحاها، علاماته وأعراضه تكون خفية في البداية، لكنها تزداد سوءًا مع مرور الوقت. من المهم جدًا التركيز على الأعراض المبكرة باعتبارها إشارات حمراء تشير إلى وجود خطأ ما يجب معالجته. إذا انتبهت لذلك وقللت من تعرضك للإجهاد بشكل فعال، يمكنك منع حدوث الانهيار. وإذا تجاهلت تلك الأعراض سوف تصل إلى الاحتراق النفسي في النهاية.
الأعراض الجسدية للاحتراق النفسي
- الشعور بالتعب والاستنزاف معظم الوقت.
- انخفاض المناعة والإصابة بالأمراض المتكررة.
- وجود صداع متكرر أو آلام في العضلات.
- حدوث تغير في الشهية أو عادات النوم.
الأعراض العاطفية للاحتراق النفسي
- الشعور بالفشل والشك بالنفس.
- الشعور بالعجز والحصار والهزيمة.
- الشعور بالوحدة والانفصال عن العالم الخارجي.
- انعدام الثقة بالنفس وفقدان الدافع.
- تشعر أنه لا يوجد شيء تفعله يُحدث فرقًا أو أنه موضع تقدير.
- النظرة المتشائمة والسلبية بشكل متزايد.
- قلة الرضا وعدم الشعور بالإنجاز.
الأعراض السلوكية للاحتراق النفسي
- الانسحاب من المسؤوليات.
- عزل نفسك عن الآخرين.
- المماطلة أو التسويف، حيث تستغرق وقتًا أطول لإنجاز الأمور.
- استخدام المخدرات أو الكحول للتأقلم.
- تخطي العمل أو القدوم متأخرًا والمغادرة مبكرًا.
ما هي أسباب الاحتراق النفسي؟
الاحتراق النفسي لا ينتج فقط عن العمل المجهد أو تحمل الكثير من المسؤوليات. فهناك عوامل أخرى تساهم في حدوثه، منها نمط حياتك وسماتك الشخصية أيضًا.
أسباب الاحتراق النفسي المرتبطة بالعمل.
- الشعور بأن لديك سيطرة قليلة أو معدومة على عملك.
- عدم الاعتراف بجهودك المبذولة أو مكافأة عملك الجيد.
- توقعات وظيفية غير واضحة.
- عدم الحصول على فترات راحة أو إجازات كافية.
- العمل المكثف والمجهد لفترات طويلة
- العمل في بيئة فوضوية أو عالية الضغط.
أسباب الاحتراق النفسي المرتبطة بنمط الحياة.
- العمل فوق طاقتك، دون وجود وقت كافٍ للتواصل الاجتماعي أو الاسترخاء.
- العلاقات الوثيقة والداعمة معدومة.
- تحمل الكثير من المسؤوليات، دون مساعدة كافية من الآخرين.
- عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم.
السمات الشخصية التي تساهم في حدوث الاحتراق النفسي.
- السعي نحو تحقيق الكمال والمثالية.
- التشاؤم والنظرة السلبية لنفسك وللعالم من حولك.
- الحاجة إلى السيطرة؛ وعدم الرغبة في تفويض الآخرين.
- الميول العالية للإنجاز.
علاج الاحتراق النفسي
الاحتراق النفسي ليس شيئًا يختفي من تلقاء نفسه. بدلًا من ذلك، يمكن أن يتفاقم إذا لم تُعالج المشكلات الأساسية التي أدت إلى حدوثه. إذا تجاهلت علامات الاحتراق النفسي، فقد يتسبب ذلك في مزيد من الضرر لصحتك الجسدية والعقلية في المستقبل. قد تفقد أيضًا القدرة والطاقة على تلبية متطلبات وظيفتك بشكل فعال والتي يمكن أن يكون لها آثار غير مباشرة على مجالات أخرى من حياتك.
فيما يلي مجموعة من النصائح التي ستمكنك من التعامل مع الاحتراق النفسي واستعادة طاقتك وتركيزك وشعورك بالراحة وهي كما يلي:
1. أعد تقييم أولوياتك.
خُذ الوقت الكافي للتفكير في آمالك وأهدافك وأحلامك. اجعل من الاحتراق النفسي فرصة لإعادة اكتشاف ما يجعلك سعيدًا حقًا وإعطاء نفسك وقتًا للراحة والتفكير وذلك من خلال الخطوات التالية:
- ضع الحدود. لا ترهق نفسك أبدًا. تعلم كيف تقول "لا" للطلبات التي تعرضك للإجهاد المفرط.
- خذ استراحة يومية من التكنولوجيا. حدد وقتًا كل يوم تقوم فيه بقطع الاتصال تمامًا. ضع الكمبيوتر المحمول بعيدًا، إغلق هاتفك، توقف عن الانشغال بتوافه الأمور ابتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي لفترة.
- غذي جانبك الإبداعي. الإبداع هو طريقة رائعة للتخلص من الاحتراق النفسي. جرب شيئًا جديدًا أو ابدأ مشروعًا ممتعًا أو استأنف هواية مفضلة. اختر الأنشطة التي لا علاقة لها بالعمل أو أي شيء يسبب لك التوتر.
- خصص وقت للاسترخاء. تعمل تقنيات الاسترخاء مثل اليوجا والتأمل والتنفس العميق على تنشيط استجابة الجسم للاسترخاء، وهي حالة من الراحة على عكس الاستجابة للتوتر.
- احصل على قسط كافي من النوم. يمكن أن يؤدي الشعور بالتعب إلى تفاقم الاحتراق النفسي عن طريق جعلك تفكر بطريقة غير عقلانية. حافظ على هدوئك في المواقف العصيبة بالحصول على نوم جيد ليلًا.
2. أعد صياغة الطريقة التي تنظر بها إلى العمل.
سواء كانت لديك وظيفة جيدة أو وظيفة رتيبة وغير محققة، فإن الطريقة الأكثر فاعلية لمكافحة الاحتراق الوظيفي هي الإقلاع عن العمل والعثور على وظيفة تحبها بدلًا من ذلك. إذا كنت تشعر بأنك كل يوم تخسر جزء من نفسك ومن طاقتك الداخلية وصحتك الجسدية والعقلية فمن المهم جدًا البدء في محاولة العثور على عمل آخر أو وظيفة أخرى. بالنسبة للكثيرين قد يكون تغيير الوظيفة أو المهنة أمر صعب للغاية ولكن مهما كان وضعك، لا تزال هناك خطوات يمكنك اتخاذها لتحسين حالتك الذهنية وهي:
- حاول أن تجد بعض القيمة في عملك. حتى في بعض الوظائف العادية، يمكنك غالبًا التركيز على دورك في مساعدة الآخرين، أو تقديم منتج أو خدمة يزداد الطلب عليها. ركز على الجوانب التي تستمتع بها في وظيفتك. يمكن أن يساعدك تغيير موقفك تجاه وظيفتك على استعادة الشعور بالهدف والسيطرة.
- ابحث عن التوازن في حياتك. إذا كنت تكره وظيفتك، فابحث عن المعنى والرضا في مكان آخر من حياتك، في عائلتك أو مع أصدقائك أو في ممارسة هواياتك أو عملك التطوعي. ركز على الأجزاء التي تجلب لك السعادة والمتعة.
- قم بتكوين صداقات وثيقة في العمل. يمكن أن يساعد وجود روابط قوية في مكان العمل في تقليل الرتابة ومواجهة آثار الاحتراق. يمكن أن يساعد وجود أصدقاء للدردشة والمزاح معهم خلال اليوم في تخفيف الضغط الناتج عن العمل، أو تحسين أدائك الوظيفي.
- خُذ إجازة. إذا بدا الاحتراق النفسي الوظيفي أمرًا لا مفر منه، فحاول أخذ استراحة كاملة من العمل. اطلب إجازة مؤقتة، أو أي شيء لتُخرج نفسك من الموقف. استغل الوقت المتبقي لإعادة شحن طاقتك الداخلية واتبع طرقًا أخرى لاستردادها.
3. تواصل مع الآخرين وأحط نفسك بأشخاص يدعمونك.
التواصل الاجتماعي والتحدث وجهًا لوجه مع مستمع جيد هو أحد أسرع الطرق لتهدئة جهازك العصبي وتخفيف التوتر. ليس من الضروري أن يكون الشخص الذي تتحدث معه قادرًا على "إصلاح" مسببات التوتر لديك؛ عليه فقط أن يكون مستمع جيد، شخصًا يستمع باهتمام دون أن يشتت انتباهك أو يعبر عن حكمه عليك. يمكنك أيضًا القيام بما يلي:
- تواصل مع المقربين منك، مثل أفراد أسرتك أو أصدقائك. لن يجعلك الانفتاح عبئًا على الآخرين. في الواقع، سيشعر معظم الأصدقاء والأحباء بالإطراء لأنك تثق بهم بما يكفي، سيؤدي ذلك إلى تقوية العلاقة بينكم. حاول ألا تفكر فيما يحرقك واجعل الوقت الذي تقضيه مع أحبائك إيجابيًا وممتعًا.
- كن أكثر اجتماعًا مع زملائك. يمكن أن يساعد تكوين صداقات مع الأشخاص الذين تعمل معهم على حمايتك من الاحتراق الوظيفي. عندما تأخذ قسطًا من الراحة، على سبيل المثال، بدلًا من توجيه انتباهك إلى هاتفك الذكي، حاول التحدث مع زملائك. أو جدولة الأحداث الاجتماعية معًا بعد العمل.
- قلل من تواصلك مع الأشخاص السلبيين. التسكع مع الأشخاص ذوي العقلية السلبية الذين لا يفعلون شيئًا سوى الشكوى لن يؤدي إلا إلى تدهور مزاجك ونظرتك للحياة. إذا كان عليك العمل مع شخص سلبي، فحاول الحد من مقدار الوقت الذي تقضيه معه.
- حاول العثور على أصدقاء جدد.إذا كنت لا تشعر أن لديك أي شخص تلجأ إليه، فلم يفت الأوان أبدًا لبناء صداقات جديدة وتوسيع شبكتك الاجتماعية.
4. قدم العون والدعم للآخرين.
في حين أنه من المهم عدم تحمل الكثير عندما تواجه ضغطًا هائلًا، فإن مساعدة الآخرين لا تحتاج إلى الكثير من الوقت أو الجهد. حتى الأشياء الصغيرة مثل الكلمة الطيبة أو الابتسامة الودية يمكن أن تجعلك تشعر بتحسن وتساعد في تقليل التوتر لديك وتشعرك بالقيمة.
أن تكون مفيدًا للآخرين يمنحك متعة هائلة ويمكن أن يساعد في تقليل التوتر بشكل كبير بالإضافة إلى توسيع دائرتك الاجتماعية.
5. ادعم حالتك المزاجية ومستويات الطاقة لديك باتباع نظام غذائي صحي.
ما تضعه في فمك يمكن أن يكون له تأثير كبير على مزاجك ومستويات طاقتك على مدار اليوم.
لذا من المهم جدًا اتباع نظام غذائي صحي وذلك من خلال القيام بما يلي:
- التقليل من تناول السكر والكربوهيدرات المكررة. قد تشتهي الوجبات الخفيفة السكرية أو الأطعمة المريحة مثل المعكرونة أو البطاطس المقلية، لكن هذه الأطعمة عالية الكربوهيدرات تؤدي سريعًا إلى تدهور الحالة المزاجية والطاقة.
- الابتعاد عن تناول الكثير من الأطعمة التي يمكن أن تؤثر سلبًا على مزاجك، مثل الكافيين والدهون غير الصحية والأطعمة التي تحتوي على مواد حافظة كيميائية أو هرمونات.
- تناول المزيد من أحماض أوميغا 3 الدهنية لتعزيز مزاجك. أفضل مصادرها هي الأسماك الدهنية (السلمون والرنجة والماكريل والأنشوجة والسردين) والأعشاب البحرية وبذور الكتان والجوز.
- التوقف عن التدخين. قد يبدو التدخين عند الشعور بالتوتر مهدئًا، لكن النيكوتين منبهًا قويًا، يؤدي إلى مستويات أعلى من القلق.