العوامل الذاتية والموضوعية المؤثرة في الإدراك
عوامل الإدراك |
يتأثر إدراكنا بجملة من العوامل منها ما له علاقة بذواتنا وخصائص شخصيتنا. ومنها ما له علاقة بطبيعة الموضوعات أو المثيرات الخارجية المدركة والمواقف المعاشة.
في هذا المقال، سنناقش عوامل الإدراك الذاتية والموضوعية
العوامل المؤثرة في الإدراك
عملية الإدراك هي القدرة الأساسية التي تمكننا من استقبال وتفسير المعلومات من العالم الخارجي. فهي عملية عقلية تسمح للإنسان بتفسير وتأويل المثيرات الحسية وصياغتها على نحو يمكن فهمها، ومن ثم الخروج بتصور أو حكم أو قرار.
تتأثر هذه العملية بمجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية التي تؤثر على قدرتنا على فهم العالم وتفسيره.
عوامل الإدراك الذاتية
العوامل الذاتية المؤثرة في الإدراك تتعلق بـ كل ما له علاقة بدوافع الفرد واتجاهاته، ورغباته، وانفعالاته، وعواطفه، ومشاعره، وحالته النفسية والمزاجية أثناء التفاعل مع المثيرات الخارجية. ويمكن تصنيفها كما يلي:
- الحالة الانفعالية: تؤثر المواقف الانفعالية المختلفة التي يمر بها الفرد في وضعيات ومواقف حياتية مختلفة مثل، حالات القلق والغضب والخوف والحزن والفرح تؤثر في طريقة إدراك الفرد للمواقف والمثيرات التي يواجهها. فإدراكنا للعالم الخارجي لا يكون ثابتًا، بل متغيرا حسب الأحوال النفسية والانفعالية التي نمر بها. ففي حالة الحزن ندرك العالم كئيبا، أما في حالة الفرح نراه جميلا. وفي الخوف نراه مرعبا وهكذا، أما الأشياء التي لا تثير انفعالاتنا تبقى خارجة عن ساحة الإدراك.
- العواطف: العواطف تخص حالات الفرح والحزن والحب والكراهية. يتضح لنا أن الشخص الذي نحبه مثلا لا ندرك فيه إلا المحاسن والإيجابيات، أما الشخص الذي نكرهه لا نرى فيه إلا المساوئ والسلبيات، على سبيل المثال، نجد أن نظرة الأم إلى ابنها تختلف كل الاختلاف عن نظرة الغير له نظرا لميلها العاطفي نحوه.
- الاهتمامات والميول والرغبات والتحيزات: الإنسان يدرك بسهولة الأمور التي تتفق مع اهتماماته وميوله ورغباته. أما الأشياء التي تتعارض مع ميوله فلا يدركها إلا بصعوبة أو يدركها مشوهة أو ناقصة. مثال على ذلك، إدراك الفنان إلى الغابة تنصب على الألوان والأضواء ومدى تناسبها، أما القائد العسكري يراها إن كانت تصلح لإعداد خطة حربية معينة، وكذلك النجار يرى جودة أشجارها وخشبها. كما أن الشخص المحايد تجاه قضايا معينة يكون إدراكه مختلفا كليًا عن المتحيزين والمنتمين إليها.
- الخبرة: الخبرات السابقة التي تلقاها الفرد أو الأفراد من البيئة الاجتماعية بفعل التنشئة في مختلف المؤسسـات كالأسرة، والمدرسة، والإعلام وغيرها؛ أي تنمو لديه اتجاهات ويُكَون مواقف وأحكام مسبقة.
- المنظومة القيمية: طبيعة القيم والمعتقدات والمبادئ التي يؤمن بها الفرد في إدراكه للعديد من المواقف والمثيرات وفي طبيعة المعاني التي يعطيها لها تؤثر في عملية إدراكه للكثير من القضايا. فالشخص المتدين على سبيل المثال، ينظر إلى القضايا الوجودية بطريقة مختلفة عن الرجل العلماني. فقد ينظر المتدين إلى كشف شعر المرأة على أنه تبرج، وينظر إليه العلماني على أنه تحرر.
- درجة الانتباه والتركيز: يعتمد إدراك كل فرد على درجة الانتباه التي يوليها إلى المثيرات أو المواقف. فكلما كانت درجة الانتباه كبيرة لدى الفرد كان إدراكه للمثيرات أسرع وأفضل. والعكس صحيح.
عوامل الإدراك الموضوعية
العوامل الموضوعية المؤثرة في الإدراك يقصد بها الأمور التي لها علاقة بخصائص المثيرات الخارجية والمواقف التي نعيشها وتشمل ما يلي:
- العامل المثير: ويسمى أيضًا العامل الموضوعي الذي يرتبط بخصائص مثيرات العالم الخارجي من حيـث الشدة والبروز، أو الكثرة والقلة والتي تلفت انتباه الفرد أكثر من الأخرى وتجعل إدراكها أسهل من غيرها. حيث كلما كان الشيء بارزًا كلما لفت الانتباه وسهل إدراكه أكثر من غيره.
- حجم المثير: كلما كان المثير كبيرًا وبارزًا واضح المعالم كلما كان إدراكه سهلا. على سبيل المثال، إدراكنا لشاحنة أسهل من إدراكنا لسيارة. كما أن إدراكنا للجبل أسهل وأسرع من إدراكنا للربوة أو الهضبة.
- شدة المثير: كلما كان المثير شديدًا من حيث الصوت أو اللون كلما كان إدراكه أسهل وأسرع من المثيرات الخافتة أو ضعيفة الشدة صوتيًا أو بصريا. كـ إدراكنا لضوء الشمس الساطع.
- عامل التنظيم: كلما كانت المثيرات الحسية المعرضة للفرد منظمة ومرتبة كلما سهل إدراكها، وفهمها، واستيعابها أفضل من الأشياء غير المنظمة. كتنظيم الكتب في المكتبات بشكل يسهل الولوج إليها والتمييز بينها من حيث الاختصاص، والمجالات، والمحاور، والمؤلفين وغير ذلك.
- التناسق: حيث كلما كانت الأشياء والأشكال والأصوات متناسقة في الألوان والأحجام، أو النغمات وليس فيها فوارق كلما أُدركت على أنها وحدة كاملة. كـ المقاطع الموسيقية، والذبذبات الصوتية لخرير الماء، أو زقزقة العصافير.
- عامل التشابه: فـ نحن ندرك الأشياء المتشابهة في الشكل، أو الحجم، أو اللون، كصيغ مستقلة تدرك كوحدة منظمة، مثال على ذلك، إدراكنا لمجموعة من الجنود أو رجال الشرطة لتشابه الزي، أكثر من إدراكنا لمجموعة من الرجال في السوق أو الشارع. فالأشياء المتشابهة تلفت انتباه الذات فتدرك ما يحيط بها، مثل (التوأم وسط جماعة من الأطفال).
- عامل التقارب: حيث أن الأشياء المتقاربة في الزمان أو المكان يسهل إدراكها كصيغة متكاملة، فنحن ندرك أسنان المشط ككل واحد، وليس سنًا سنًا، حيث أن الموضوعات المتقاربة تميل إلى التجمع بأذهاننا، فالتلميذ مثلًا، يسهل عليه فهم وإدراك درس ما إذا كانت عناصره متقاربة في الزمان، ويحدث العكس إذا ما تباعدت، فتقارب مجموعة من النقاط في شكل دائري يوحي أننا نرى دائرة، وكما أن تقارب مجموعة من النقاط على استقامة واحدة توحي بأنها خط مستقيم، لكن حذف نقطة بعد كل نقطتين تجعلنا نشاهد نقطتين مثنى مثنى، والتغير هنا في الإدراك ناتج عن تَغير حالات الموضوع.
- ذات صلة: مقالة جدلية حول عوامل الإدراك
- اقرأ أيضًا: مفهوم الإدراك الحسي في الفلسفة